تونس- تونس اليوم
منذ نشأته الأولى، كان المسرح رجع صدى لثقافات الشعوب وطقوسها واحتفالاتها... وفي كل عصوره راهن الفن الرابع على التفاعل المباشر واللقاء الحي مع الجمهور في إطار من الحميمية والقرب. واليوم وفي زمن الكورونا هل يمكن لأب الفن أن يصول ويجول على الركح دون وجود جمهور؟ وكيف للمسرحيين أن يبدعوا على الخشبة وأمامهم مقاعد شاغرة، خرساء؟ بعد تعذر تنظيم أيام قرطاج المسرحية بسبب جائحة الكورونا، كان خيار الهيئة المديرة للمهرجان تنظيم «أسبوع للمسرح التونسي» باعتماد البث الحي عن طريق «ستريمنغ». واليوم بعد اختتام هذه التظاهرة، كيف يقيّم المسرحيون هذه التجربة الجديدة؟ وهل كان البث الرقمي فعلا في خدمة المسرح التونسي؟
أنور الشعافي: مشاكل تقنية ومتابعة ضعيفة يعتبر المخرج والمدير السابق للمسرح الوطني أنور الشعافي أن تظاهرة «أسبوع للمسرح التونسي» كانت موفقة في أداء وظيفتها «الاجتماعية» لكنها حادت عن المسار في الاضطلاع بوظيفتها الفنية، حيث يقول: «إن المهرجان الرقمي الذي خُصص للمسرح التونسي يمكن اعتباره بادرة اجتماعية بالأساس سمحت للمسرحيين بالعمل بعد طول منع خاصة بالنسبة للمتفرغين لهذا الفن. لقد كان قطاع المسرح من أكبر المتضررين من هذه الجائحة إلى درجة معاناة بعض فنانيه من الجوع والخصاصة رغم أن المسرحيين أثبتوا التزامهم بالبروتوكولات الصحية، في وقت سُمح فيه للأحزاب بتنظيم تجمعات كبيرة العدد غايتها الدعاية والاستعراض ...
لكن هذا المهرجان من زاوية فنية لم يكن موفقا لأن المسرح هو فن طازج لا يكون إلا بالحضور الآني والمباشر للجمهور لا يحيا إلا بالعلاقة الجدلية بين الركح والصالة فيؤثر هذا في ذاك. كما أن البث الرقمي للمسرح هو هجرة إلى فن آخر وبالتالي خيانة له ! فلا يمكن إذن وبصورة قطعية الحديث عن مسرح رقمي و إن جاز في بعض التجارب استغلال الرقمي في المسرح.
و بالرجوع لمهرجان أسبوع للمسرح التونسي، فقد تم تسجيل مشاكل تقنية أدت إلى تأجيل البث المباشر على غرار عرض الإفتتاح. بالإضافة إلى عدم دراية من قام بتصوير العروض بمفهوم الصورة في المسرح و خصوصيتها.
ولا ننسى أن عدد المتابعين كان في مجمله ضعيفا جدا. ولا بد هنا من تسجيل التناقض في سياسة الوزارة في هذا الموضوع وهو أن الفرق المسرحية ذاتها هي التي عرضت أعمالها رقميا بصورة حية داخل الجهات. فهل إن الوباء يؤمن فقط بالمركزية ؟»
نزار السعيدي: الستريمنغ وسيلة إشعاع وليس قاعدة للفرجة
بين قهر الضرورة وخصوصية الظرف يرى المسرحي نزار السعيدي أن بث المسرح عبر ستريمنغ قد يكون واجهة للترويج للمسرح التونسي والتسويق لإبداعات الفن الرابع في الخارج، قائلا في هذا السياق:»إن اعتماد تقنية البث الرقمي للعروض الفنية ضرورة فرضتها الظروف الصحية التي تمر بها الإنسانية حيث لجأت الكثير من المهرجانات العالمية لسد الفراغ الفرجوي وضمان وصول المادة الإبداعية إلى المشاهد.وهو ما ذهبت إليه أيام قرطاج المسرحية خلال هذه السنة في تظاهرة «أسبوع للمسرح التونسي» حيث تمكنت من برمجة باقة من المسرحيات تم بثها مباشرة أو عن طريق التسجيل عبر الستريمنغ. ويبدو أن هذه التظاهرة في شكلها الجديد كان هدفها إحياء الحركة المسرحية بعد فترة الحجر الصحي وإيصال الفعل المسرحي الوطني إلى المشاهد التونسي والأجنبي. إلا أنها لا تخلو من المساعدة الاجتماعية المقنّعة للمسرحيين للتغلب على الأزمة التي تسببت فيها الإلغاءات المتكررة للتظاهرات. هي تجربة تنتظر التقييم الجاد والبناء عليها لا قتلها، فالبث الرقمي بإمكانه المساهمة في التعريف بالمنجز المسرحي في الخارج. يمكن اعتبار الستريمنغ في المسرح وسيلة إشعاع وتواصل وليس قاعدة للفرجة. فلا يمكن بأي حال أن تعوض هذه التقنية حرارة العرض الحي باعتبار أن المسرح فن مباشر يكمن سحره في تلك العلاقة الجدلية بين الفنان والمتلقي دون وسائط».
حافظ خليفة: التسجيل يحوّل المسرح إلى فن محنط
لا يمكن للرقمي بأي حال من الأحوال أن يحافظ على روح العرض المسرحي بل إن عملية البث عبر الستريمنغ تجعل من الفن الرابع فنا محنطا، ولكن في المقابل وفي ظل الأزمة الراهنة ساهمت تظاهرة «أسبوع للمسرح التونسي» في إعادة بعض التوازن النفسي والإبداعي وحتى المعيشي حسب المخرج حافظ خليفة الذي أفاد بالقول :» ما يميز الفن المسرحي عن باقي الفنون أنه فن حي ومتحول ومتغير في كل عرض. كما إنه يعتمد بالأساس على روعة العلاقة بين الباث والمتقبل المباشرة والتلقائية، وبالتالي فإن عملية تحويله كعرض عبر الستريمنغ أو تسجيله تجعل منه فنا محنطا دون روح لأن آلياته بنيت بالأساس على الفعل المباشر الحي. وقد فشلت عديد المحاولات في تحويل الفن المسرحي إلى رؤية تلفزية إلا إذا أعيدت صياغة النص والإخراج على قياس آليات وسيلة البث.
ولكن أمام هذا الفراغ والعراقيل يجد المسرحي نفسه أمام أمرين أحلاهما مرّ : إما التوقف عن الإبداع وإما الإبداع دون العرض، و بالتالي الجمود والجوع..و لعل الكثيرين يعطون اهتماما بالغا للجانب الفني والإبداعي و يتناسون الجانب الحياتي والمعيشي للفنان المسرحي خاصة من الذين اختاروا المسرح وسيلة عيش حصرية. وهذا أمر جدّ مهم وأساسي، ففنان جائع هو فنان ميت...ولهذا فإن مثل هذه المبادرات في وقتنا الحالي تساهم في إعادة بعض التوازن النفسي والإبداعي وحتى المعيشي لطبقة وفئة اقل ما نقول عنها أنها مهمشة خاصة في زمن و بلد لا يملك قانونا للفنان بإمكانه حمايته ورعايته في عصر الجوائح والأزمات» .
قد يهمك ايضا
مفتي الجمهورية التونسية يوضح حكم إفطار رمضان لمرضى كورونا والطاقم الطبي
دار الثقافة في القلعة الكبرى تحتضن الدورة 6 من مهرجان قلعة المسرح