القاهرة ـ تونس اليوم
أكدت الباحثة والأكاديمية الليبية فاطمة غندور أن إنهاء حالة الصراع في ليبيا أمرًا لا يملكه المواطنين وحدهم بل بات مرتبطَا بعوامل داخلية وخارجية وإقليمية، مضيفة أن الجماعات المؤدلجة والمليشيات المسلحة خطر لا يمكن القضاء عليه داخل البلاد، وأن الحرب الأخيرة وما ترتب عنها، أوقفت مساعي البعثة الأممية وداعميها الغربيين، لحل الأزمة الليبية كما أن هجرة الليبيين للخارج ظلت محدودة بالنسبة إلى بلد يعيش حربا مدمرة وقياسًا إلى حالات هجرة ونزوح ظلت عناوين بارزة في وسائل الإعلام العربية والغربية عُدت بالآلاف.
وقالت فاطمة غندور، إن إنهاء الحرب والصراع معطي لا تملكه ليبيا وحدها، في الأزمة الليبية وأي قرار متعلق بها مرتبط بالعوامل الداخلية والإقليمية والدولية، وكلما ضعف أثر الدعم والضغط باتجاه الحل ظلت الأزمة الليبية تراوح مكانها في حالة اللاحل، واستعرضت فاطمة غندور في حوار صحافي مختلف التحديات التي تواجه اليوم الليبيين من تفشي الميليشيات إلى الإنقسام السياسي إلى ملف النفط والهجرة غير الشرعية والإرهاب وغيرها، كما تطرقت الى دور المرأة الليبية ومستقبل الإعلام في ظل الحرب الدائرة في هذا البلد .
وأضافت أن الحرب الأخيرة وماترتب عنها، أوقفت مساعي البعثة الأممية وداعميها الغربيين ،وكذلك مساعي دول الجوار، وجمدت المطالبات الداخلية بعقد حوار ليبي -ليبي وكان أهم شروطه هو انعقاده داخل ليبيا، رغم ان هناك أطرافًا مسيطرة على القرار بالعاصمة كانت قد صرحت بعدم مشاركتها في «ملتقى غدامس الجامع» ، إلًا أن مجلس النواب ومجلس الدولة كانا يعدان قائمتها بالمشاركين المرشحين فيه ، في حين اعتبر الجيش الليبي بأن هذه المعركة تحمل عدة أهداف منها مكافحة وإزاحة الإرهابيين المتطرفين (من قاعدة، وأنصار الشريعة ،ومجالس شورى،)في بلد صار مرتعا للإرهابيين متعددي الجنسيات اضافة الى جيران يصدرون أزماتهم لها.
وأوضحت أن هناك مؤشرات وأرقام ترد بعدد الإرهابيين القادمين من تونس والعراق وسورية، وكانت طرابلس والغرب الليبي عموما ضمن هذه الخارطة المعلنة، ولفتت إلى أن ليبيا جيوسياسيا تتقاسمها قضايا ومسائل مشتركة مع الآخر، فهناك النفط والطاقة ،الهجرة غير الشرعية، مكافحة التطرف والإرهاب، وغيرها، وكلما ضعف أثر الدعم والضغط باتجاه الحل ظلت الأزمة الليبية تراوح مكانها في حالة اللاحل، مع هذا التأزم الذي تشهده دول المنطقة من الجزائر إلى إيران، ولقاء مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي واجتماعه من أجل ليبيا مؤخرًا والداعي لوقف الحرب المهددة للسلم والأمن في المنطقة من المنتظر عودة طرفي الأزمة الى طاولة المفاوضات هي الأولوية اليوم مع مساعي إيطاليا وتونس لعقد لقاءات بينهما أيضا.
وتابعت: اعتقد أن في الأفق مسألتين خلافيتين ستكونان على الطاولة المنشودة لو تحققت الهدنة وتم وقف أوزار الحرب بالغرب، وهي المليشيات وتفكيكها وحيازة سلاحها (الترتيبات الأمنية )،وضمانات تتعهد بها قيادة الجيش(الذي تموقع وحاز اعترافا دوليا وحقق ماحققه على الأرض) وايضا الذهاب للمسار الديمقراطي للدولة المدنية .(وليس العسكرية!) هناك مرحلة لحكومة وحدة وطنية توحد مؤسسات البلاد ثم تسير بها للانتخابات، والاستفتاء على الدستور.
وذكرت أن الصراع الموجود اليوم في ليبيا في مبادئه وأصوله هو صراع تاريخي - سياسي - اقتصادي بين عديد الأطراف الخارجية، فلا ننسى أن إيطاليا وفرنسا استعمرتا وأدارتا ليبيا لما تجاوز العقدين في القرن العشرين، وقبلها بينهما نزاع أوزو الشهير، بل أن فرنسا -ولئن أعلن عن استقلال ليبيا في سنة 1951 ، لكنها كإدارة استعمارية لم تغادر جنوب ليبيا إلًا عقب ذلك بسنوات جرت خلالها مفاوضات عسيرة لأجل ذلك(1956) ،ولاحقا حازت إيطاليا وفرنسا مشاريع عقود طويلة الأجل في حقول النفط والغاز الليبي ،وتظل أطماعهما في توسيع رقعة حيازة مايمكن استثماره مما تضمنه ليبيا من مخزون نفطي ومعدني وموراد مستدامة، ولعلنا لم نشهد مواجهة دبلوماسية على مستوى حكومي رئاسي حاد بينهما كما شهدها عقد الثورة الليبية ومابعدها .
واستطردت أن في الصراع الليبي كان لهما موقفهما المعلن والخفي فقد اصطفت ايطاليا داعمة ومساندة بكل قواها السلمية والمسلحة الى جانب حكومة الوفا ، وبالمقابل فعلت فرنسا ذلك مع قيادة الجيش الليبي .ولا غرو أن هذا الصراع وصراعات أخرى ألقت بظلالها الناجزة على الوضع الليبي، فأكثر المواجهات الإقليمية والدولية اتخذت ليبيا كساحة لها في ظل حروب تخاض بالوكالة تدار بينهم، تولتها أطراف الأزمة الليبية نيابة عنهم والتهب سعيرها ودفع المدنيون ثمنها من أرواحهم وممتلكاتهم في ظل أوضاع معيشية صعبة.
وأوضحت أن المليشيات والجماعات المؤدلجة خطر يهدد كل أنحاء البلاد وليس من السهل القضاء على فعلها في المنظور القريب خاصة مع انعدام خارطة دولية تساعد الليبيين في ذلك، وكأن قوى بعينها ترغب في بقاء هذا التهديد مستشريا منذ تدخل الناتو في مارس 2011 ، في مقابل توزيع وانتشار السلاح الذي وظفه النظام لصالح بقائه بإشعال فتيل الحرب الأهلية ،كما انتشر السلاح من ليبيا الى مناطق وجماعات ارهابية متطرفة، ونحن نعلم تجارب شعوب مرت قبلنا بهكذا «بلاء» استشرى بوجود جماعات وتجار السلاح وشراء الذمم التي تجعل من الجريمة المنظمة عنوانا لها . وقد أُعلن مؤخرا أن هناك مايقارب العشرين مدينة ليبية تشهد استقرارا يؤهلها للخوض في مشاريع تنموية كل حسب معطياتها ومواردها المتوافرة ، لولا مؤشرات الفساد المستشري الذي كشفت عنه ملفات مؤسسة رقابة ومكافحة الفساد بالعاصمة والمبعوث الأممي غسان سلامة . وقد خاض الليبيون تجربتهم السياسية الاولى ديمقراطيا سنة 2012 في انتخابات برلمانية رغم تحدي التطرف والارهاب ،(فمدينة بنغازي تمثل نموذجا لذلك فقد جرى اغتيال الناشطة الحقوقية سلوى بوقعيقيص بعد ساعات من الادلاء بصوتها ،كما تم اغتيال الناشطة السياسية الليبية فريحة البركاوي في السابع عشر من جويلية عام 2014 ).
لقد جرت وبإشراف دولي انتخابات 2014 البرلمانية ،ولجنة الدستور وكانت صناديق الاقتراع تفرز أصوات بأغلبيتها لتيار مدني ما سجل مفارقة ديمقراطية عما حازته أغلبية أصوات التيارات الإسلامية التي نجحت حينها في مصر وتونس . وفي المنظور وليس من قبيل التفاؤل فان هناك مطالبات شعبية على الأرض تنادي اليوم بقلب صفحة هذا البرلمان والحكومة ،والمجلس الأعلى . وما تم التواصل اليه في مشاورات ملتقى الحوار الذي رعته البعثة الأممية على مستوى الجغرافيا الليبية سيظل مطلبا صارخا لدى كثير من الشرائح الليبية تطالب بالعودة للمسار السياسي وعقد ملتقى جامع للأطراف الليبية الفاعلة والمؤثرة لتحقيق ذلك .
وذكرت أن التصريح الأخير غسان سلامة بخصوص ملف الهجرة غير الشرعية فاضحًا الأزمة مفتعلة خلقتها أطراف أوروبية تخلت عن أدوارها وتركت ليبيا تتقاذفها الرياح، فما أشار إليه القضاء الليبي وما أعلنه الاتحاد الأوروبي يؤكد أن هناك تواطؤا بين مليشيات مسلحة تسترزق بملف المهاجرين مع دولة أوروبية، وهذه الدولة تارة تنادي بالتوطين وجعل مدن الساحل الليبي - والتي هي معبر فقط للمهاجرين- معسكرات لجوء وإيواء، وتارة تهدد بشكوى تجاوزات وانتهاكات وتقصير من حكومة الوفاق، مما يظهر تناقضا في رؤيتها لعلاقة ليبيا بمشكل الهجرة، رغم اعتراف الأوروبيين بالظروف والأوضاع الهشة والدولة الفاشلة والعميقة التي تغرق فيها ليبيا وتمثل ذلك بضعف إمكانيات حرس السواحل والإنقاذ، ولعل ليبيا هي البلد الوحيد -وسط المتغيرات في المنطقة- الذي كان نزوح أهلها داخليا وفق ماسمحت به الجغرافيا. فكان نزوح الليبيين بين المناطق الداخلية في بلادهم سواء في الشرق أو الغرب .
ولفتت إلى أن هجرة الليبيين للخارج ظلت محدودة بالنسبة إلى بلد يعيش حربا مدمرة وقياسًا إلى حالات هجرة ونزوح ظلت عناوين بارزة في وسائل الإعلام العربية والغربية عُدت بالألاف بل وصلت مليونية في سوريا واليمن وقبلها العراق ،واليوم وحسب إعلان سلامة بالخصوص فان هناك عمالة أجنبية ترغب في العمل بليبيا وتهاجر وتصل إليها بهذا الغرض. وقد سجل تراجع كبير في نسب الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا بعكس ما يروج في عديد التقارير.
فاطمة غندور هي كاتبة وباحثة ليبية وهي استاذة بكلية الفنون والإعلام بأقسام الإعلام والصحافة والمسرح من سنة 2005..كما تمثل ليبيا بالشبكة العربية لدراسة الديمقراطية وهي فرع الكتريينغ مؤسسة دراسات وأبحاث بأهايو وفرعها العربي ببيروت. وممثلة ليبيا بإدارة الإعلام (أصوات التغيير) مكتب المرأة الأمن والسلام بمفوضية الاتحاد الأفريقي أثيوبيا. وهي مرشحة برلمانية ومديرة ميادين للصحافة والنشر..ومنظمة إعلاميات ليبيا .
قد يهمك ايضا
"الشارقة للكتاب" تطلق أول وكالة أدبية من نوعها في الإمارات والمنطقة
العثور على كنز ثمين يعود إلى القرون الوسطى في سلوفاكيا