الخرطوم ـ عبد القيوم عاشميق
أدى الإعلان عن أن عدد الأحزاب في السودان 74 حزبًا سياسيًا، بما فيها أحزاب المعارضة، إلى تضارب في الآراء في المجتمع السياسي، فبينما ترى الحكومة أن هذا أمر إيجابي، يؤكد فاعلية السياسة المتبعة، اعتبرت أحزاب أخرى أنه يأتي نتيجة تفتيت الحزب الحاكم لقوى المعارضة، والتأثير عليها بالمناصب، ما تسبب في إضعاف الحكومة والأحزاب في آن واحد.
وأوضح أمين عام مجلس أحزاب حكومة الوحدة الوطنية عبود جابر، في حديث إلى "العرب اليوم"، أن "عدد الأحزاب المسجلة في بلاده يأتي حسب تقرير مجلس شؤون الأحزاب السياسية"، مشيرًا إلى أن "40 منها تشارك في مجلس الأحزاب، كما أن هناك 10 حركات مسلحة وقعت على اتفاقات سلام مع الحكومة، تشارك بصفة مراقب في المجلس"، مبينًا أن "من مطتلبات قبول تسجيل أي تنظيم سياسي جديد أن يكون قومي التوجه، ويستوفي الاشتراطات الدستورية والقانونية، وأن يكون لديه عضوية محددة بحوالى 500 فرد كحد أدنى، في 5 ولايات، ولديه موارد مالية وميزانية معروفة، ولا يتلقى دعمًا ماليًا من الخارج"، لافتًا إلى أن "أكثر من 30 منها تشارك في السلطة، فضلاً عن الحركات الموقعة على اتفاقات سلام مع الحكومة السودانية، وتمثل هذه الحركات ولايات دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، وشرق السودان".
وعن ما إذا كان الحزب الحاكم يتيح لهذه الأحزاب مشاركة حقيقية في اتخاذ القرار، أكّد جابر أن "هذه الأحزاب تشارك في مستويات الحكم المختلفة، وويتولى قادتها مناصب رفيعة في الحكومة، وتتمتع بالصلاحيات الكاملة في اتخاذ القرارات"، معبرًا عن "أمله في أن تقبل الأحزاب المعارضة للحكومة المشاركة في السلطة، وأن تتجاوز خلافاتها مع الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، بغية مواجهة التحديات".
وفي شأن ما إذا كان القانون يتيح للمجموعة، التي غادرت الحزب الحاكم، تحت قيادة الدكتور غازي صلاح الدين، أن تبدأ إجراءات التأسيس لحزب جديد، بيّن جابر أن "دستور عام 2005 الموقت، وقانون الأحزاب لعام 2007، لا يمانع من قيام مجموعة ما بتسجيل حزب سياسي جديد، شريطة أن يعمل حسب الاشتراطات المطلوبة دستوريًا وقانونيًا"، مشيرًا إلى أن "التحدي الأكبر أمام استمرار هذا الحزب أو ذاك هو إعداد نفسه لخوض الانتخابات المقبلة"، معتبرًا أن "العدد الكبير للأحزاب السياسية ظاهرة غير مقلقة".
ومن جانبه، يوضح الباحث عبد الله موسى، في حديث إلى "العرب اليوم"، أن "ظاهرة تعدد الأحزاب السياسية مقلقة للغاية، وأن المشكلة تعود في الأساس إلى أن الحزب الحاكم اعتمد سياسة تقسيم الأحزاب الكبيرة، لاسيما التي وقعت معه على اتفاقات، مثل حزب الأمة، بقيادة الصادق المهدي، والاتحادي الديمقراطي، بقيادة محمد عثمان الميرغني، وجبهة الشرق، بقيادة موسى محمد أحمد، فكل حزب من هذه الأحزاب انشقت عنه أكثر من 7 مجموعات، وكل هذه المجموعات وقعت على اتفاقات مع الحكومة، شاركت بموجبها في السلطة، وكانت النتيجة إضعاف هذه الأحزاب"، مشيرًا إلى أن "الأحزاب التي اتفقت مع الحكومة، لو احتفظت بقوتها ووحدتها، لكان الأمر أنفع لها، فالمحصلة النهائية كانت ضعف الحكومة والأحزاب نفسها، وانعكس الأمر على الواقع السياسي في السودان، والدليل على ذلك أن الحكومة، أثناء الأزمات الوطنية الكبرى مثل الحرب والسلام وانفصال الجنوب، لم تجد مجموعة قوية تُكون رأيًا عامًا ضاغطًا يساندها في تجاوز هذه الأزمات".
واختتم موسى حديثه بالإشارة إلى أن "الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية، التي تعاني منها الدولة، يدفع ثمنها المواطن البسيط، الذي لم يجد في هذه الأحزاب ما يلبي طموحاته".
واعتبر عضو المكتب السياسي لحزب "الأمة" الدكتور حسن إمام أن "الحزب الحاكم، وبما له من قدرة، ظلَّ يسعى إلى تفتيت الساحة السياسية، وتقزيم الأحزاب، حتى يكون الأقوى والممسك بزمام الأمور، وهذا تخطيط تكتيكي لا ينظر بعمق إلى المستقبل البعيد، والدليل ما نراه الأن من انقسام داخل الحزب الحاكم نفسه، فحجر الآراء، ومنع الأفكار أحدث ما يشبه الانفجار داخل المؤتمر الوطني، ولذلك برزت تيارات جديدة".