العقلية السطحية والعقلية المركبة

العقلية السطحية والعقلية المركبة

العقلية السطحية والعقلية المركبة

 تونس اليوم -

العقلية السطحية والعقلية المركبة

بقلم : معتز بالله عبد الفتاح

أنصح الشباب بنفس النصيحة التى قالها لى الدكتور الزكى النجيب محمود فى المرة الوحيدة التى التقيته فيها وهى قراءة السير الذاتية للمفكرين والسياسيين والأشخاص الذين غيّروا مجتمعاتهم. يعجبنى المنهج الأخلاقى الذى أرساه السيد المسيح حين أحضروا له امرأة ضُبطت تزنى، وأوقفوها فى الوسط، وقالوا له: «يا معلم، هذه المرأة ضُبطت وهى تزنى. وقد أوصانا موسى فى شريعته بإعدام أمثالها رجماً بالحجارة، فما قولك أنت؟». سألوه ذلك لكى يحرجوه فيجدوا تهمة يحاكمونه بها.

 أما هو فانحنى وبدأ يكتب بإصبعه على الأرض. ولكنهم ألحوا عليه بالسؤال، فاعتدل وقال لهم: «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر!» ثم انحنى وعاد يكتب على الأرض. فلما سمعوا هذا الكلام انسحبوا جميعاً واحداً تلو الآخر، ابتداء من الشيوخ. وبقى يسوع وحده، والمرأة واقفة فى مكانها. فاعتدل وقال لها: «أين هم أيتها المرأة؟ ألم يحكم عليك أحد منهم؟»، أجابت: «لا أحد يا سيد». فقال لها: 

«وأنا لا أحكم عليك. اذهبى ولا تعودى تخطئين!» أليس هذا ما فعله الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، حين رأى سعيد بن المسيب يجر رجلاً آخر كان مخموراً أو نحو ذلك فقال: «هلا سترته بثوبك»! أو «لو سترته بثوبك كان خيراً لك». وكان من العدل أن يثنى الرسول الكريم على بعض العرب حتى قبل أن يسلموا إحقاقاً للحق وإنصافاً فى القول. بعضنا انتهازيون فيفترضون فى الآخرين الانتهازية بالضرورة. بعضنا خطاؤون فيفترضون فى الآخرين الخطيئة بالضرورة.

 ويمكن أن نغفل كل الخير الذى فعله آخرون مقابل أى عيب نراه، ونجعل هذا العيب هو العنوان الوحيد الذى نضع تحته الآخرين. تحية كاريوكا راقصة مشهورة، وعند المحافظين والمتدينين الرقص الشرقى مهنة تدخل فى إطار المحرمات. وهذا مفهوم تماماً بالنسبة لى. ولكن إن أردنا إنصافاً فلنقل كذلك إنها سيدة مصرية شجاعة وجريئة يذكر لها من يعرفونها أنها كانت تساعد الفدائيين فى القناة فى حرب عام 1948 وما بعدها. واستغلت حقيقة كونها من مدينة الإسماعيلية لتنقل الأسلحة فى سيارتها الخاصة للفدائيين، وقد خبأت الرئيس السادات لمدة عامين كاملين بعد أن قامت بتهريبه فى سيارتها إلى منزل شقيقتها بعد هروبه من مطاردة الشرطة نتيجة اتهامه فى حادث مقتل أمين عثمان. تقول إحدى المقالات المنشورة عنها إنها لبّت نداء الوطن فى عام 1955 حين أعلن الرئيس جمال عبدالناصر قراره بكسر احتكار السلاح والتحول إلى المعسكر الشرقى لتسليح الجيش بعد أن رفض الغرب تقديم السلاح إلى مصر إلا بعد الاعتراف بإسرائيل وعقد اتفاق معها. رفض عبدالناصر، ويومها خرج الفنانون المصريون، وفى مقدمتهم تحية كاريوكا، فى احتفالية أطلقوا عليها «أسبوع تسليح الجيش» إلى الشوارع والمحافظات لجمع التبرعات مساهمة فى شراء صفقة السلاح الجديدة، كما خصص الفنانون أجورهم عن الأعمال الفنية لهذا الهدف الوطنى، وجاءت تحية كاريوكا ومعها السيدة أم كلثوم على القمة فى جمع أكبر قدر من التبرعات لتسليح الجيش المصرى. كما قدمت «كاريوكا» جزءاً من مجوهراتها لهذا الهدف، وشكرها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وقال لها: «أنت بألف رجل يا تحية» فردت عليه: «كل هذا من خير مصر يا ريس». حين قررت المخابرات الأمريكية تدمير سمعة القس مارتن لوثر كنج، زعيم حركة الحقوق المدنية فى الولايات المتحدة، بدأت تنشر بعض المعلومات عن علاقات غير شرعية يقيمها خارج إطار الزواج. ويبدو أنها لم تكن فقط ادعاءات، ولكن يظل الرجل اسماً بارزاً رغماً عن عيوبه الشخصية. نحن فى مصر، وفى هذه المنطقة من العالم، لم نزل بعيدين عن تلك القدرة على أن نحكم على البشر بمنطق ميزان الحسنات والسيئات. نحن نرى فى أى سيئة أنها النهاية وكأن كل واحد فينا بلا سيئات. وهذه آفة تأكل الثقة وترهق العقول. ولا بد لها من ثقافة جديدة. هل ممكن أن نكره بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، وفى نفس الوقت ندرك مهاراته التى جعلته قادراً على صناعة دولة من لا شىء؟ أعتقد ممكن، لكن عند الحكماء فقط.

المصدر: الوطن

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العقلية السطحية والعقلية المركبة العقلية السطحية والعقلية المركبة



GMT 07:23 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

أكثر ما يقلقنى على مصر

GMT 05:23 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

من المعلومات إلى القيم والمهارات

GMT 06:34 2017 السبت ,18 شباط / فبراير

جاستن ترودو: رئيس وزراء كندا - الإنسان

GMT 05:38 2017 الخميس ,16 شباط / فبراير

نصائح للوزراء الجدد

GMT 06:07 2017 الثلاثاء ,14 شباط / فبراير

من أمراضنا الأخلاقية

GMT 17:36 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

الهلال السعودي يخوض خمس مواجهات تجريبية

GMT 13:46 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الخميس 29-10-2020

GMT 06:35 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"الغذاء والدواء" تضبط 250 تنكة زيت زيتون مغشوش في الأردن

GMT 10:25 2021 الأحد ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صيحات فزع بسبب أزمة الأدوية المفقودة في تونس

GMT 04:45 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia