كسر المعادلة اليمنية القائمة

كسر المعادلة اليمنية القائمة

كسر المعادلة اليمنية القائمة

 تونس اليوم -

كسر المعادلة اليمنية القائمة

خير الله خير الله
خير الله خير الله

دفعت الإدارة الأميركية مجلس الامن التابع للأمم المتحدة، قبل ايّام قليلة، في اتجاه وضع ثلاثة قياديين حوثيين في لائحة العقوبات التي تضمنها قرار سابق للمجلس في حقّ شخصيات يمنيّة. كان قرار مجلس الامن، في الأصل، ظالما الى حدّ بعيد، خصوصا انّه ركز على الرئيس الراحل علي عبدالله صالح ونجله احمد الذي كان هناك إصرار لدى بعض الجهات الإقليمية والدوليّة على تهميشه.

جرى تهميش احمد علي عبدالله صالح علما انّه كان في الإمكان الاستفادة منه، في مرحلة معيّنة، في مجال تكوين "شرعيّة" يمنيّة قادرة بالفعل على مواجهة الحوثيين بدل ترك الامر للرئيس المؤقت عبد ربّه منصور هادي ولشركائه المضاربين من الاخوان المسلمين الذين لديهم حسابات خاصة بهم.

تلتقي مثل هذه الحسابات، الموجودة لدى الاخوان، في أماكن عدة مع حسابات الحوثيين. يؤكد ذلك الجمود على جبهات تعز منذ سنوات عدّة. تحوّلت تعز ذات الماضي العريق باهلها المسالمين الى ضحية لهذا التفاهم القائم من تحت الطاولة بين الاخوان والحوثيين!  

لن تقدّم معاقبة ثلاثة قياديين حوثيين ولن تؤخّر... وذلك لسبب في غاية البساطة. يعود السبب الى ان السؤال المطروح حاليا لا يتعلق بفرض عقوبات دوليّة، لا معنى لها، على هذا القيادي الحوثي او ذاك. السؤال يتعلّق بالأبعاد التي ستترتب على احتمال سيطرة الحوثيين (جماعة "انصار الله") على مدينة مأرب مع ما يعنيه ذلك من اكتمال مقومات الدولة التي اقامتها ايران في الشمال اليمني. عاصمة هذه الدولة صنعاء. وضع الحوثيون يدهم عليها وظلموا أهلها وحولوها من مدينة تتسع لكلّ اليمنيين من كلّ المناطق الى مدينة بائسة لا مستقبل لها ولأبنائها.

لا تزال مأرب تقاوم، بفضل قبائل المنطقة خصوصا، والجهود التي يبذلها التحالف العربي من الجو. لكنّ هناك إشارات الى انّها يمكن ان تسقط قريبا في غياب ضغط أميركي حقيقي يصبّ في الحؤول دون ذلك في غياب إدارة أميركية تعي تماما ما على المحكّ في اليمن. اكثر من ذلك، هناك إدارة لا تعرف تماما من هم الحوثيون ومدى سيطرة ايران عليهم.

اذا اخذنا في الاعتبار مدى الجهل الأميركي باليمن لا يعود هناك مجال لاستغراب التفاؤل، لدى بعضهم في واشنطن، بإمكان التوصل الى صفقة مع الحوثيين، صفقة تؤدي الى وقف القتال الدائر في محيط مدينة مأرب وتأتي بالحوثيين الى طاولة المفاوضات. مثل هذه الصفقة غير واردة في ظلّ موازين القوى القائمة حاليا. لو كان لدى الحوثيين اهتمام حقيقي بالتفاوض قبل الاستيلاء على مدينة مأرب، لما كانوا نفذوا الامر الذي أصدره السفير الإيراني في صنعاء حسن ايرلو والقاضي برفض مبادرة السلام السعودية في آذار – مارس الماضي. كانت تغريدة من ايرلو، وهو ضابط في "الحرس الثوري"، عن انّ المشروع السعودي "مشروع حرب"، كافية لقطع الطريق على أيّ تقدّم من أيّ نوع بعد الإعلان عن مبادرة السلام السعوديّة.

لا يمكن ان تؤدي السياسة الاميركيّة المتبعة تجاه اليمن سوى الى اعتماد صيغة جديدة في هذا البلد تكرّس تأسيس دولة تدور في الفلك الإيراني. مثل هذه الدولة التي تعني قبل كلّ شيء نشر الجهل والتخلّف في قسم من شمال اليمن لا تستطيع ان تلعب دورا يساعد الاستقرار في شبه الجزيرة العربيّة. الأخطر من ذلك كلّه، أنّ مثل هذه الدولة لن تساعد في ايّ شكل في تأمين سلامة الملاحة في البحر الأحمر خلافا لما يعتقده الاميركيون وآخرون حالوا في الماضي دون استعادة قوات يمنيّة بقيادة طارق محمّد عبدالله صالح ميناء الحديدة.

على العكس من ذلك، لعب البريطاني مارتن غريفيث المبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة دورا في التوصل الى اتفاق ستوكهولم في نهاية العام 2018 وتكريس الاعتراف الدولي بالحوثيين. كانت تلك المرّة الثانية التي يستفيد الحوثيون من ممارسات لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن. كانت المرّة الأولى مباشرة بعد وضع الحوثيين يدهم على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014. وقتذاك، جرى توقيع "اتفاق السلم والشراكة" بين الحوثيين و"الشرعيّة اليمنيّة" بحضور جمال بنعمر ممثل الأمين العام للمنظمة الدوليّة في اليمن. لم يحترم الحوثيون الاتفاق ساعة واحدة. سارعوا الى وضع عبد ربه منصور، الذي حاول ممارسة لعبة التذاكي، في الإقامة الجبريّة واجبروه على الاستقالة.

يُفترض في الإدارة الأميركية الاقتناع بانّ لا وجود لأجنحة حوثية بعضها تحت السيطرة الكاملة لإيران وبعضها الآخر لديه تحفظات عن الدور الإيراني. ليس الحوثيون سوى أداة ايرانيّة ولدت من استثمار يزيد عمره على ربع قرن. صحيح انّ علي عبدالله صالح ارتكب خطأ جسيما، دفع ثمنه من حياته، برهانه على الحوثيين بعد حرب صيف 1994، لكن الصحيح أيضا انّ ايران عرفت منذ البداية كيف تستثمر في هذا المشروع ذي الطابع المذهبي.

مفهوم أن تكون هناك إدارة اميركيّة مترددة وفي حال ضياع، خصوصا في ضوء الانسحاب العسكري الكارثي من أفغانستان. ما ليس مفهوما تفادي وضع الحدث اليمني في اطار إقليمي أوسع. يشمل هذا الاطار امن البحر الأحمر والقرن الافريقي والسيطرة على مضيق باب المندب الذي يمكن استخدامه في اغلاق قناة السويس. كذلك، يشمل هذا الاطار أمن دول شبه الجزيرة العربيّة كلّها. ليس كافيا التوصل الى تفاهم سعودي – عُماني في شأن مستقبل محافظة المهرة التي على الحدود اليمنية – العُمانية، كي يتوقف الحديث عن الخطر الإيراني انطلاقا من اليمن.

في النهاية، هل لدى إدارة جو بايدن ما يكفي من المعرفة بما هو على المحكّ في اليمن كي تقدم على خطوة تساعد في استيعاب الخطر الإيراني الذي مصدره هذا البلد؟ الاهمّ من ذلك كلّه وجود قناعة في واشنطن بأنّ اليمن مقبل على تطورات كبيرة وخطيرة ذات انعكاسات على المنطقة كلّها في الوقت ذاته في غياب من يكسر معادلة توازن القوى القائمة حاليا.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كسر المعادلة اليمنية القائمة كسر المعادلة اليمنية القائمة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 14:43 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 12:31 2013 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"موبينيل" تدرس اقتراض 2.5 مليار جنيه من البنوك

GMT 16:24 2021 الأربعاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

درة تخطف الأنظار بإطلالة مميزة وعصرية

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 08:26 2021 الثلاثاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الغنوشي يدعو الرئيس التونسي للالتزام بالدستور الذي أقسم عليه

GMT 16:27 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

شوبارد Chopard عود ملكي من أكثر المكوّنات العطريّة النفاسة

GMT 19:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز اهتمامات الصحف اللبنانية الصادرة الأحد

GMT 15:37 2021 الأحد ,28 شباط / فبراير

العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي

GMT 07:59 2021 الثلاثاء ,28 أيلول / سبتمبر

بداية تعافي قطاع السياحة في ولاية جربة التونسية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia