ملاح البحار الصعبة

ملاح البحار الصعبة

ملاح البحار الصعبة

 تونس اليوم -

ملاح البحار الصعبة

سمير عطا الله
سمير عطا الله

كانت الكويت أول دولة تعلن استقلالها في الخليج العربي وتنهي معاهدة الحماية البريطانية. وكانت أول هدية عربية في استقلالها مطالبة الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم بضمها إلى العراق. كان الامتحان صعباً ومريراً؛ لكن الكويت نجحت في التصرف كدولة، ومضت تبني نفسها وفق أصول الدول الحديثة والكيانات العريقة.

كان الشيخ عبد الله السالم رجلاً متنوراً أحاط نفسه برجال متنورين. وكان مدركاً أن أفضل حماية للدولة المستقلة استقرار داخلي وصداقات دولية متينة. في عملية البناء هذه، اختار جابر الأحمد لإرساء الصناعة النفطية، ثروة البلاد، واختار صباح الأحمد، لترسيخ دبلوماسية بارعة تبحر بالبلاد بين بحار العرب ومحيطات العالم.

كان صباح الأحمد، لأكثر من أربعة عقود، رجل الظل في الداخل، ورجل الضوء في الخارج، ماهراً في الإدارة وبارعاً في السياسة. وعندما باشر في إنشاء وزارة الخارجية وعملها ومؤسساتها، تصرف وكأنه يخطط لدولة كبرى. وهكذا فعلاً بدت صورة الكويت في الجامعة العربية، وفي الأمم المتحدة، وفي كل مؤسسة دولية أخرى.
وبسبب هذه الجدية المطلقة في العمل، استطاعت الكويت أن تقوم بدور الوسيط في قضايا العرب الشائكة، وهي كثيرة وأشواكها شتى. وبسبب مصداقيته وسعة صدره، أصبح صباح العرب وسيط العرب، يتطلعون إليه كلما وقعت أزمة أو اشتعلت حرب أو اشتد نزاع. وكان يحرص على أن يقوم هو شخصياً بالعمل الأساسي في كل وساطة.
احتلال العراق للكويت زعزع مصداقية العراق والثقة بالنظام العربي؛ لكنه لم يزعزع إيمان الكويت بعروبتها. عندما سألت الشيخ صباح عن مستقبل الدور، بعد تحرير الكويت، قال: لن نتخلى عن التزاماتنا لحظة واحدة؛ لكننا لن نُخدع بالوعود الكاذبة مرة أخرى. الكويت باقية كما هي.
عندما صار صباح الأحمد أميراً، كان قد أصبح وفي مسيرته سلسلة طويلة من الخبرات في الداخل والخارج؛ لكنه أصبح أكثر اقتناعاً بجدوى العمل الإقليمي ودور الخليج، أولاً في حماية نفسه، وثانياً في التعاضد العربي. وصار يرى أن انفلاش الاضطراب والأنانية والنفور بين العرب، عدوى لا بد من ردها عن الخليج؛ حيث يقيم الملايين، أربعة ملايين منهم في الكويت وحدها.
كرس الأمير وقته للداخل. كبرت تحديات الكويت وكبرت مسؤوليات الدولة، واشتعلت الأزمات في المنطقة العربية. والكويت التي شارك صباح الأحمد في بنائها وهي مليون نسمة أصبحت الآن ستة ملايين، كما أصبحت الدولة السادسة في إنتاج النفط، هذه الثروة التي أصبح من المحتم البحث عن بدائل مستقبلية لها. وهذه السنة، ربما للمرة الأولى في تاريخها، تواجه عجزاً في الموازنة ونقصاً في تسديد الرواتب، هي الدولة التي توظف نحو 90 في المائة من القوة العاملة، في نظام رعائي شبه كامل.
أخرج الشيخ صباح الكويت من أزمات كثيرة. ومثل أسلافه، أدار الحاضر وبنى شيئاً للمستقبل. كان بالغ الجدية في مسؤولياته وقريباً جداً من الناس، يتفقد أهل «الديرة» ويشاركهم أعيادهم ويواسيهم في أحزانهم. سوف يفتقدونه كما يفتقده عرب الحكمة والهدوء.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملاح البحار الصعبة ملاح البحار الصعبة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 18:23 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تتألق بإطلالة "كاجوال" في أحدث ظهور لها

GMT 11:17 2020 الثلاثاء ,22 أيلول / سبتمبر

أفكار غير تقليدية لعمل ركن القهوة في المنزل

GMT 08:46 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

«وطن» لـ«عم خليل».. قصتان

GMT 03:43 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

كان الخلاف قطرة فأصبح قطر

GMT 06:17 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 07:07 2020 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على تردد قناة ميكس هوليود الفضائية 2020 تحديث ديسمبر

GMT 19:52 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

مجلس النواب يوجه برقية للرئيس السيسي بثقة المجلس وتأييده

GMT 16:16 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح للتخلص من تكسر الشعر وتقصفه
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia