كان الخلاف قطرة فأصبح قطر

كان الخلاف قطرة فأصبح قطر

كان الخلاف قطرة فأصبح قطر

 تونس اليوم -

كان الخلاف قطرة فأصبح قطر

بقلم : داود الشريان

الإعلان المفاجئ للإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر تجاه قطر أعطى الدوحة مساحة «للمناورة»، فضلاً عن أن تأخُّر دول مقاطعة قطر في إعلان مطالبها من الحكومة القطرية ساعد في تعاطف دول غربية، وأخرى عربية مع الدوحة، وخلق حالاً من الجدل.

حال السعودية، وشركائها الخليجيين مع قطر ينطبق عليه المثل «ويلي منك وويلي عليك». قطر جزء مهم من منظومة مجلس التعاون، ونقل خلاف بهذا الحجم والخطورة، مع عضو في المجلس إلى العلن، يشكل تهديداً لهذا التجمُّع الإقليمي الذي نشأ في الأساس لحماية دوله من أطماع خارجية وإقليمية، ولهذا ظلت الرياض، ومعها أبو ظبي والمنامة، تحافظ على شعرة معاوية مع قطر. لكن الموقف السياسي للدوحة وصل إلى مرحلة جعل الشركاء الخليجيين يصلون إلى الاتفاق، على قاعدة «لا بد مما ليس منه بد». فسياسة قطر صارت تهدّد أمنهم، فأصبحت المواجهة بالحقائق التي رُصِدت على مدى سنوات، مسألة لا بد منها، على رغم أخطارها على وحدة دول الخليج العربي.

الإعلان المفاجئ عن الإجراءات السياسية والاقتصادية تجاه قطر شغل وسائل إعلام عربية وأخرى دولية، وصار هذا الإعلام أسيراً لتداعيات الإجراءات، وتجاهل أسبابها العميقة. واستطاعت قطر، إلى حد بعيد، أن تستغل هذا الانشغال ديبلوماسياً وإعلامياً، وسعت إلى اختصار الأزمة بقضية مطالب دول المقاطعة، ورفعت شعارات «غير قابلة للتفاوض»، و «مجرد ادعاءات» و «ليست من أسس العلاقات الدولية»، فوقع إعلام دول المقاطعة، والإعلام الدولي في فخ المطالب، وأصبحت القضية كأنها مجرد إجراءات اتخذت فجأة، ومطالب «غير منطقية» لرفعها، وغُيِّب عن الناس سبب المشكلة، وهو أن الدوحة، وعلى مدى سنوات، تبنّت أجندة سياسية هدفها الأساس تمكين تنظيمات الإسلام السياسي من حكم المنطقة، وعلى رأس هذه التنظيمات جماعة «الإخوان المسلمين».

من يعاود قراءة علاقة قطر مع دولة بحجم مصر، وموقعها في العالم العربي، سيجد أن الدوحة منذ منتصف عام 1995 تخوض حرباً إعلامية منظّمة وشرسة على مصر، استمرت أكثر من عقدين من الزمن ولا تزال. والدوحة تتبنّى تياراً واحداً في مصر هو جماعة «الإخوان المسلمين»، باعتباره منقذ مصر من أزماتها. وبالفعل استطاعت قطر مالياً وسياسياً وإعلامياً، تسهيل وصول «الإخوان» إلى منصة «ثورة يناير»، فاستطاعوا خطف «الثورة» ولكن سرعان ما تبين أن سياسة «الجماعة» وتحالفاتها تسير في اتجاه يتناقض مع حضارية المصريين وتمدُّنهم، وتاريخ مصر ودورها الرائد في العالم العربي.

ما قامت به الدوحة تجاه مصر في العلن، مارسته في الخفاء والإعلام، تجاه السعودية والإمارات والبحرين، ودورها مع جيرانها في الخليج حافل بتدخُّلات تهدف إلى تقويض أنظمة هذه الدول، وإشاعة الفوضى في مجتمعاتها، وصولاً إلى تقسيمها. وهذا الملف، إن كُشِف في شكل كامل، سيفضي حتماً إلى قطيعة نهائية مع الدوحة.

قطر تعلم تماماً حجم الدور الذي تلعبه في المنطقة وخطورته على مدى السنوات الماضية، ولا يساورها أدنى شك في أن كشف بعض أدلة هذا الدور يدينها على المستويين الإقليمي والدولي، لكن تأخُّر العواصم الأربع في تقديم كل ما لديها منح الدوحة شعوراً بالارتياح، والتحرُّك لدرء اتهامها بدعم جماعات انتهازية ومتطرفة، وتمارس الإرهاب، فضلاً عن أن إحجام دول المقاطعة عن تقديم ما لديها، أعطى انطباعاً للآخرين بأن ما يجرى خلافات داخلية تمّ تضخيمها، وغاب عن الدوحة، وآخرين معها، أن التروّي الذي مارسته دول المقاطعة كان مقصوداً، من أجل فرز مواقف الساحة الدولية، وإشغال الدوحة بانتصار موقت، إلى حين انقضاء المهلة التي أعطيت لتنفيذ المطالب، بالتالي ستلجأ عواصم المقاطعة إلى البدء بتقديم الأدلة التي تمّ التريُّث في إعلانها، خشية زجها في دهاليز سياسية منتفعة، وحوارات إعلامية مدفوعة الثمن، أو إعطاء الدوحة، وبعض حلفائها، فرصة للالتفاف على بعض الأدلة.

لا شك في أن الأزمة مع قطر في بدايتها، واتخاذ عواصم المقاطعة إجراءات على هذا المستوى يستند إلى أدلة لا يرقى إليها الشك، فضلاً عن أن الدور الذي كانت تلعبه الدوحة لم يعد ممكناً استمراره في ظل التوجُّهات الجديدة في الحرب على الإرهاب. وأحد أهم هذه التوجُّهات هو لجم دور دول كانت تقدّم تسهيلات للجماعات المسلحة، بتوافقات وحجج أثبتت الأيام أنها تجاوزت الاتفاقات المرسومة، وتحوّلت إلى وسيلة لدعم تنظيمات إرهابية، واستمرار دورها الدموي في غير دولة عربية.

الأكيد أن موقف دول المقاطعة تجاه دولة قطر، الذي اعتبره بعضهم متشدداً، يستند إلى حقيقة يصعب إنكارها، فضلاً عن رفضها، وهي أن قطر تعمل لتمكين جماعات الإسلام السياسي من حكم المنطقة، ودعم جماعات وأحزاب ترفع شعار الإسلام لأغراض سياسية، وتمارس العنف، ومعاودة الدوامة التي عاشتها السعودية ودول الخليج على مدى أكثر من ثلاثة عقود. هذا الدور لم يعد ممكناً، فضلاً عن أن يكون مقبولاً.

* كاتب سعودي

المصدر : جريدة الحياة

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضروة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كان الخلاف قطرة فأصبح قطر كان الخلاف قطرة فأصبح قطر



GMT 03:59 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

حروب أهلية تجتاح العالم

GMT 03:57 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

خيار واحد وحيد للنظام الإيراني

GMT 03:54 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

انتفاضة البازار!

GMT 03:51 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

لقاء «ترامب» و«بوتين»: تقسيم مناطق النفوذ!

GMT 03:46 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

فزورة صفقة القرن!

GMT 17:57 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

مؤشرات التشغيل تؤكد ارتفاع نسبة البطالة في تونس

GMT 13:47 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

العلماء يثبتون فوائد التفاح للدماغ

GMT 13:34 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

دجالون يدعون الإشفاء من السرطان والسّكري

GMT 08:43 2021 السبت ,30 تشرين الأول / أكتوبر

وزير السياحة يؤكد تحسن المؤشرات السياحية في تونس

GMT 14:27 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

علاء الشابي يتحدّث عن اخطاء مهنية قاتلة للتلفزات التونسية

GMT 07:51 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

المكياج الليلي

GMT 07:03 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

جيش البحر يحتجز مركب صيد مصري على متنه 17 بحارا

GMT 06:30 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل الإجراءات والقرارات الخاصة بتونس الكبرى

GMT 09:11 2016 السبت ,14 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 17:56 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

توقعات بنزول امطار وارتفاع نسبي لدرجات الحرارة فى تونس

GMT 05:00 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على أجمل الشلالات في البيرو لعطلة لا مثيل لها

GMT 00:14 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أسرة المقرحي تطالب بتعويض عن "تبرئته" في اعتداء لوكربي
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia