عقد على غيابه أرق رثاء

عقد على غيابه: أرق رثاء

عقد على غيابه: أرق رثاء

 تونس اليوم -

عقد على غيابه أرق رثاء

سمير عطا الله
بقلم: سمير عطا الله

لم يستخدم أنيس منصور النعوت، كما ذكرنا غير مرة. وحجم الزاوية الصغيرة لا يتحملها في أي حال. وتجنب العواطف والرومانسيات مثل جميع القادمين من رواق الفلسفة، ومنهم لويس عوض وسلامة موسى. لكن كان في إمكان أنيس أن يكتب أكثر المقالات حزناً وأحزاناً من دون أن ينقح في قصيدة عند الغروب أو يعزف وتراً. مع أنه كان ذا صوت جميل، وفكر مراراً في احتراف الغناء، وأحيا أمام محمد عبد الوهاب أكثر من حفلة خاصة. وقد قرأت له أكثر القطع حزناً عندما كتب كيف بحث طويلاً عن الشاعر عبد الرحمن شكري، الذي قال عنه العقاد إنه لم يعرف أحد مثله كما عرف الشعر العربي والإنجليزي... إليكم عبد الرحمن شكري بريشة أنيس منصور: «لقد وجدت شاعرنا الكبير عبد الرحمن شكري قصيراً. أقصر مما تخيلت... أو لعله صار قصيراً نحيفاً... وطربوشه قد اتسع على رأسه... أو رأسه صغر فهبط الطربوش إلى ما فوق حاجبيه...
وأما منظاره الغليظ، فغطى جزءاً من الطربوش... أما لون الطربوش فهو أحمر أسود... أو أسود أحمر... ولكنه مطبق... تكسر أو انكسر... أما ملابس الشاعر الكبير فبدلة قديمة جداً... ويبدو أن لديه قميصاً واحداً اختفت ألوانه أو صارت له ألوان وفيه فتحات...
ولا أذكر لون الجاكت أو البنطلون... ولكن من المؤكد أن لهما ألواناً... والذي أدهشني أنه صافحني كأنه يعرفني... أو كأننا التقينا قبل ذلك بأيام. لم يندهش... بل أنا اندهشت لذلك... ثم أشار إلى الأرض: تفضل. أي تفضل واجلس على الأرض... فليس عنده مقعد... ولا سرير... وإنما المرتبة والمخدات على الأرض... وليس في الغرفة شيء... لا كوب ولا كتاب ولا صحيفة... وجلست على الأرض... أما هو فقد خلع حذاءه أو انخلع حذاؤه وتساقطت الجاكتة والبنطلون. ولم يكن قميصاً وإنما جلباباً حشره في البنطلون، فهو قميص نهاراً وجلباب ليلاً... واتخذ ركناً من الغرفة... وجلس واتجه إلي يسألني ماذا أريد وكيف اهتديت إليه... فقلت: لقد ظنوك ميتاً أستاذ... أو انتحرت... أو أصابك شيء فسقطت في الشارع ثم مقابر الفقراء لا يدري بك أحد... بعد أن نسيك الأدباء والشعراء عشر سنوات أو يزيد...
سألته هل تسمح لنا بأن نلتقط لك صورة؟ وخلع طربوشه ووضع إلى جواره جزمته... ثم طربوشه فوق الجزمة... ثم وضع الطربوش بين الجزمتين... ثم قال: هذه أحسن صورة! ونشرت صورة شاعرنا الكبير وقت أنني اكتشفت أنه حي... وبعد أيام مات الشاعر الكبير فقلت: كان من الممكن أن يموت بدون أن يدري به أحد... ولكن أفلحت في أن أجعل موته علناً»!

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقد على غيابه أرق رثاء عقد على غيابه أرق رثاء



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 14:43 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 12:31 2013 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"موبينيل" تدرس اقتراض 2.5 مليار جنيه من البنوك

GMT 16:24 2021 الأربعاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

درة تخطف الأنظار بإطلالة مميزة وعصرية

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 08:26 2021 الثلاثاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الغنوشي يدعو الرئيس التونسي للالتزام بالدستور الذي أقسم عليه

GMT 16:27 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

شوبارد Chopard عود ملكي من أكثر المكوّنات العطريّة النفاسة

GMT 19:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز اهتمامات الصحف اللبنانية الصادرة الأحد

GMT 15:37 2021 الأحد ,28 شباط / فبراير

العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي

GMT 07:59 2021 الثلاثاء ,28 أيلول / سبتمبر

بداية تعافي قطاع السياحة في ولاية جربة التونسية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia