المرجعية الدينية ورعاية المواطن العراقي

المرجعية الدينية ورعاية المواطن العراقي

المرجعية الدينية ورعاية المواطن العراقي

 تونس اليوم -

المرجعية الدينية ورعاية المواطن العراقي

بقلم - مصطفى فحص

مما لا شك فيه أن النظام السياسي العراقي ما بعد 2003 لم يحصل فيه الفرد العراقي (المواطن) على حقوقه الكاملة التي تكفلها الدولة، نتيجة أن العملية السياسية ما بعد نظام الاستبداد الفردي (صدام حسين)، أنتجت نظماً حزبية استبدادية استطاعت أن تصادر حقوق الأفراد المدنية والسياسية، من خلال سيطرتها في وقت قياسي على سلطات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية، وأدى تحكمها بإدارة الدولة وآليات صنع قرارها، وحتى ريعها، إلى تحديد حجم الشراكة والمشاركة للجماعات المدنية (الأفراد)، مما تسبب قطعاً في تعطيل بناء دولة عراقية حديثة، وفي منع قيام مجتمع عراقي متماسك، قادر على مواجهة الدولة العميقة الطائفية والفاسدة.
إلا أن متلازمة الطائفية والفساد فجّرت نزعة الفرد العراقي الميال أصلاً إلى التمرد على السياسي والعقائدي، فبالنسبة للفرد العراقي؛ خصوصاً الشيعي لأنه يشكل الأغلبية الديمغرافية التي تسيطر على الدولة والثروة، فإن الإشكالية بدأت لحظة إقرار قانون انتخابات على مقاس المنظمة الحزبية السياسية الشيعية الإسلامية التي فرضت شروطها مبكراً على العملية السياسية؛ إما بدعم خارجي متعدد الجهات، وإما نتيجة أمر واقع عراقي نتج بعد سقوط صدام حسين؛ حيث كانت هذه الجماعات وحدها القادرة على تنظيم نفسها وبرزت على شكل أحزاب وتيارات متماسكة، ساعدتها عوامل كثيرة، منها الحملة الإيمانية التي أطلقها صدام حسين في تسعينات القرن الماضي، خلال سنوات الحصار القاسية، والتي ترافقت أيضاً مع صعود دور المرحوم آية الله السيد محمد صادق الصدر، إضافة إلى سياسة «البعث» الطائفية التي أدت إلى تراكم العصبيات المذهبية التي انفجرت حساسيتها بعد سقوط «البعث»، مما اضطر المرجعية الدينية في النجف إلى التعامل مع هذه التعقيدات المتراكمة بكثير من الحذر، لأنها ملتزمة بحدود تدخلها حفاظاً على منهجيتها العقائدية التي ترفض وصاية الحوزة على السياسة، كي لا تتهم بأنها نموذج جديد لـ«ولاية الفقيه»، وفي المقابل من موقعها الرعوي لا تستطيع التخلي عن دورها الإرشادي في حماية مصالح أتباعها ومصالح المواطنين، والقيام بواجبها الأخلاقي والإنساني عندما تعجز الدولة عن تحقيق الحد الأدنى من رعاية المواطن وحماية المواطنة.
هذا الدور جعلها عرضة لانتقادات كثيرة، خصوصاً من جهات مدنية مستاءة، مما وصلت إليه تجربة الإسلام السياسي التي تتهم النجف بأنها راهنت عليه في انتخابات 2005 و2006، مع العلم بأنها أعلنت عجزها عن إصلاحه في انتخابات 2010 وبدرجة أشد في 2014، حتى إعلان مقاطعتها الطبقة السياسية العراقية برمتها، فيما شكل موقفها في انتخابات 2018 الحد الفاصل بين علاقتها بالدولة والمجتمع عندما تفهمت المرجعية قرار شريحة واسعة من المواطنين مقاطعة الانتخابات اعتراضاً على ممارسات الطبقة السياسية، وهو ما يمكن وصفه بتحول كبير للمرجعية الدينية عن خيارات الحوزة التاريخية، من «المشروطية» وحتى يومنا هذا، ودعوتها أتباعها كافة في العالم إلى تحقيق مواطنتهم الكاملة أولاً عبر ممارسة حقوقهم الدستورية وتطويرها قانونياً في بلادهم.
ففي هذه اللحظة العراقية الحرجة يتسع الجدل حول دور المرجعية الدينية في حماية حقوق المواطن العراقي أمام وطأة الأحزاب السياسية الشيعية التي تعلن دائماً أنها تحت سقف المرجعية، لكنها فعلياً تمارس ما يخدم مصالحها، وهو ما بات يشكل حرجاً فعلياً للنجف.
في هذا الصدد يقول الباحث في شؤون الأحزاب الإسلامية علي المدن، إن «الوضع الراهن فيه انتقالة أخرى (يفترض أن تكون مقلقة للمرجعية الدينية الشيعية) تترافق مع تنامي الموقف الاحتجاجي الشعبي على مستوى أداء الأحزاب الإسلامية الممسكة بالسلطة والمتحكمة بواقع ومستقبل المواطن العراقي، حيث يحمّل المواطن العراقي المرجعية مسؤولية صعود وبقاء هذه الأحزاب في سدة إدارة الدولة. وبما أن موقف المرجعية من هذه الأحزاب لم يبلغ مرحلة القطيعة والانفصال التام، فإنها، في نظر هذه الحركة الاحتجاجية، شريكة لتلك الأحزاب فيما وصل إليه البلد من تدهور».
عملياً المرجعية الشيعية تعاملت سنة 2003 مع واقع أمر سياسي لا يمكن تجاوزه، فحاولت تدويره، وهي حتى الآن لم تتخلَّ عن فكرة تقليص نفوذهم، وتدفع إلى إقرار قانون انتخابات يَحرم هذه الأحزاب من كسب أصواتها من خلال الدوائر الكبرى، وتطرح تصغير الدوائر حتى يسهل على المواطنين محاسبة ممثليهم في البرلمان، ويسمح بتمثيل الجماعات غير الحزبية.
في النهاية؛ إذا خُيرت المرجعية بين خياري المواطنين والمنظومة، فستختار الأول، لكنها تفرض عليها شروط الدولة والقانون، لذلك، فإن من يريد من المرجعية أن تبادر، فهو يريد أن يحملها مسؤولية ما ستصل إليه الأمور، ومن يريد أن يحملها مسؤولية تأييدها حركة المواطنين، فهو يدرك إلى أين وصلت أموره، ولكنها في اللحظة الحاسمة ستتحول إلى غطاء للمواطن وضمان للدولة.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرجعية الدينية ورعاية المواطن العراقي المرجعية الدينية ورعاية المواطن العراقي



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 22:46 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

10 فوائد صحية مذهلة لشراب الكركديه

GMT 17:57 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

مؤشرات التشغيل تؤكد ارتفاع نسبة البطالة في تونس

GMT 06:10 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

مدرب منتخب تونس لليد يلغي التدريب الأول في القاهرة

GMT 06:12 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

إرتفاع العجز التجاري التونسي 13.7%

GMT 09:05 2013 الأحد ,26 أيار / مايو

قطة تختار مستشفى الفيوم لولادة صغارها

GMT 04:53 2013 الجمعة ,01 شباط / فبراير

الاحتفال بإشهار "المتحف الوطني" في الأردن

GMT 03:54 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

تطوير السيارة الرياضية "بيك آب" لتفاجئ عشاقها

GMT 06:04 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ملكة إسبانيا أنيقة بالجمبسوت الأحمر

GMT 12:31 2021 الجمعة ,15 كانون الثاني / يناير

كيفية توافق البرج الفلكي لكل أم مع أبنائها

GMT 05:34 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

منزلك أكثر تميّزًا مع الديكورات اليابانية العصرية المودرن

GMT 01:37 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

ميو ميو تطلق مجموعة إكسسوارات احتفالاً بالعام الجديد

GMT 10:49 2021 الخميس ,09 كانون الأول / ديسمبر

التغييرات الجديدة في رزنامة العطل المدرسية في تونس

GMT 21:17 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

الصفاقسي التونسي يعلن إصابة عزمي غومة بفيروس كورونا

GMT 12:31 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 3.3 درجات يضرب مدينتي المتلوي والرديف التونسيتين
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia