العوام يختطفون السياسة 1  2

العوام يختطفون السياسة (1 - 2)

العوام يختطفون السياسة (1 - 2)

 تونس اليوم -

العوام يختطفون السياسة 1  2

عمار علي حسن

غاية ما تصل إليه الحياة السياسة من نضج أن تدير الأمور طليعة أو صفوة تعى نبض الجماهير الغفيرة، فلا تفتئت عليها أو تتجاوزها باسم الحكمة أو السرعة أو التذرّع بمقتضيات المصلحة العامة. لكن أن تنقلب الأحوال فيخطف العوام السياسة، ويجرون الصفوات والطلائع والقيادات وراءهم من دون هوادة، ولا روية، ولا استبصار، فهذا ما لا يمكن قبوله، ولا يجب السكوت عليه.
فى حقبة ما بعد الاستقلال ضربت الأنظمة الحاكمة فى العالم العربى بشدة على أيدى الصفوات، التى نضجت فى كفاحها المرير ضد الاستعمار من أجل تحرير الأرض وصيانة العرض السياسى والاقتصادى الذى استباحه المحتلون. وكان لضربات هذه الأنظمة المتتابعة أثر بالغ فى القضاء تدريجياً على النخب «المضادة»، أو تلك التى لم يرق لها مسلك حكومات ما بعد الاستقلال، فعارضتها، متوهمة أن من قفزوا إلى كراسى السلطة، سيوفرون لمعارضيهم حرية الوجود والتوالد والامتداد والاستمرار، حتى لو من الناحية الشكلية، أو بالمستوى الذى كان عليه الحال أيام المستعمر.
ومع توالى العقود، ترنّحت الصفوات السياسية البديلة، ولم يبقَ إلا «صفوة» واحدة تضم من بأيديهم مقاليد الأمور، وحولهم الذيول التابعة الدائرة فى فلكهم، طمعاً فى مغنم أو مخافة مغرم، أو طلباً لحماية أو تجنباً لبطش، حتى تم، بعد خمسة عقود من رحيل المستعمر، تفريغ الحياة السياسية العربية من العناصر التى تمنحها الحيوية، وتمدها بالقوة واللياقة، التى من شأنها أن تجعل الاستجابة فى صناعة القرارات على قدر التحديات الضاغطة، التى وصلت فى الوقت الراهن إلى حد مطالبة العرب بتفكيك نظامهم الإقليمى، الذى عاشوا تحت ظلاله بمسميات عدة، منها «الأمة العربية» و«الوطن العربى» و«العالم العربى» و«العروبة»، كى ينضووا تحت نظام مغاير يحمل اسم «الشرق أوسط الكبير» أو «الشرق أوسط الموسع» حسبما يُسعف به لسان البيت الأبيض من اصطلاحات، أو تفكيك الدول الوطنية إلى وحدات صغيرة مثلما هو مطروح الآن.
ومع اتساع الهوة بين النخب الحاكمة والجماهير العريضة، بعد أن وأدت السلطة أغلب الوسائط السياسية الحقيقية من مؤسسات حزبية ونقابية ورموز سياسيين ووجهاء اجتماعيين، لم يبقَ أمام الجماهير من طريق سوى التعامل الملتوى مع من هم فى سدة الحكم، إما بالسخرية منهم، أو تجاهل قراراتهم، أو معاندتهم إن سمحت الظروف وقويت الشوكة، لكن الأخطر هو محاولة التسلل البطىء إلى صفوف النخبة، بدفع عناصر من العوام إلى الصفوف الأمامية، وهو ما تجسّد فى مصر مثلاً بالإصرار على أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب (البرلمان) من العمال والفلاحين، وفى العراق وصل بائع الثلج «عزة إبراهيم» إلى منصب نائب الرئيس، وينسحب هذا الأمر على الكثير من النظم الشمولية العربية، التى يتقدّم فيها أهل الثقة على أهل الخبرة، حيث قطع العوام شوطاً بالغاً إلى الأمام. ورغم قيام ثورات وانتفاضات فى بعض البلدان العربية فلا يزال الوضع على حاله فى هذه الناحية. وهذا التسلل لم يكن قراراً خالصاً للعوام، بل إنه فى كثير من الأحيان كان تدبيراً من قبل النخبة الشمولية الحاكمة، التى أرادت أن تقطع الطريق أمام النخب البديلة، رغم ما لاقته على أيدى السلطة من تهميش، فلا يكون بإمكانها التواصل مع الجماهير، وتعبئتها حول برامج وأطروحات مغايرة لتلك التى تتبناها الحكومات.

 

 

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العوام يختطفون السياسة 1  2 العوام يختطفون السياسة 1  2



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 18:23 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تتألق بإطلالة "كاجوال" في أحدث ظهور لها

GMT 11:17 2020 الثلاثاء ,22 أيلول / سبتمبر

أفكار غير تقليدية لعمل ركن القهوة في المنزل

GMT 08:46 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

«وطن» لـ«عم خليل».. قصتان

GMT 03:43 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

كان الخلاف قطرة فأصبح قطر

GMT 06:17 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 07:07 2020 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على تردد قناة ميكس هوليود الفضائية 2020 تحديث ديسمبر

GMT 19:52 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

مجلس النواب يوجه برقية للرئيس السيسي بثقة المجلس وتأييده
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia