أصابع لوليتا ومحاورة الأدب العالمي
آخر تحديث GMT07:39:41
 تونس اليوم -

"أصابع لوليتا" ومحاورة الأدب العالمي

 تونس اليوم -

 تونس اليوم - "أصابع لوليتا" ومحاورة الأدب العالمي

تونس ـ وكالات

ليست هذه المرة الأولى التي يحاور فيها واسيني الأعرج الأدب العالمي في أعماله، فقد سبق أن حاور رواية 'دون كيشوت' لسيرفانتس في أعمال عديدة منها 'حارسة الظلال'، ورواية 'كارمن' لميريماي في روايته 'سيدة المقام' وروايات أستورياس وألف ليلة وليلة في 'فاجعة الليلة السابعة بعد الألف' وطوق الحمامة في روايته 'طوق الياسمين'. وتأتي روايته الكاتب الجزائري الجديدة 'أصابع لوليتا' المرشحة ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 'البوكر' لتستدعي نصا أدبيا شهيرا هو 'لوليتا' للروائي الروسي-الأميركي فلاديمير نابوكوف. ويواصل واسيني الأعرج استحضار الفنون في رواياته، فمرة يقود القارئ إلى عالم الباليه والرقص كما في 'سيدة المقام'، وأخرى في أروقة الفنون التشكيلية والنحت في 'شرفات بحر الشمال'، ومرة يدخله عالم الموسيقى كما في روايته 'سوناتا لأشباح القدس'. وتقدم 'أصابع لوليتا' للقارئ عالم الموضة وخفاياه ليشتغل الأعرج فيها على فن يبدو غريبا عن عالم الأدباء ولتكون الرواية بذلك المعادل الإبداعي لمؤلف رولان بارت 'نظام الموضة'. أثارت رواية نابوكوف جدلا كبيرا في الأوساط الأدبية العالمية بعد أن أقدمت دار نشر فرنسية على نشرها سنة 1955 ووصفت بالرواية 'الملعونة' التي افتتحت، كما يقول الروائي ماريو فارغاس يوسا 'عصر التسامح الجنسي' بين مراهقي الولايات المتحدة والغرب الأوروبي. وجلبت الرواية شهرة كبيرة لكاتبها، لكنها كانت مصحوبة بفضيحة استثنائية باعتبارها رواية فاحشة ومسيئة للأخلاق.وتروي 'لوليتا' نابوكوف قصة الكهل همبرت الذي أغرم بفتاة لم تتجاوز الثانية عشرة ليقوم بالمستحيل من أجل الوصول إليها وإن دفعه ذلك إلى أن يتحول إلى قاتل. وقد مثلت 'لوليتا' فتنة للروائيين أيضا، وربما كتب يوسا رواية 'امتداح الخالة' متأثرا بالشبق المحرم والشيطنة الطفولية في تلك الرواية.ولم يكن واسيني المغرم بمحاورة الأدب العالمي لينجو بدوره من إغوائها. فيروي في 'أصابع لوليتا' قصة الفتاة 'نوة' عارضة الأزياء التي أسقطتها الرواية في غرام 'يونس مارينا' الكاتب المعروف الذي يجلس موقعا كتابه في معرض فرانكفورت للكتاب.حضر نابوكوف روحا ونصا في رواية الأعرج من خلال جملة من الاقتباسات والتضمينات التي ترفع التفاعل النصي إلى مستوى التناص المعلن الذي يعيد زرع روح النص الأول الغربي في أرض جديدة وذهنية جديدة.وبعد أن اكتشف واسيني الأعرج أن للذاكرة ماء في روايته السيرية 'ذاكرة الماء' يقف في هذا النص متسائلا مرة أخرى 'لا يمكن ... للعطر ذاكرة أيضا...'، بعد أن اشتم الراوي-الروائي عطرا يعرفه وهو بصدد إمضاء روايته الجديدة 'عرش الشيطان'.وعبر ترصده منابت هذا العطر الأنثوي يتعرف الروائي صاحبته 'نوة' التي اقتحمت حفل التوقيع بباقة من الورد، وهكذا تدخل الرواية أيضا في تناص معلن مع رواية 'العطر' للألماني باتريك سوسكيند.أما شخصيات الرواية فهي إما حاملة لهوية أدبية سابقة مثل 'لوليتا'، ولا يمكن قراءتها دون استحضار بطلة نابوكوف ودلالاتها أو شخصية 'يوسف مارينا' الذي استلهمه الكاتب من حياته الشخصية، فتطفو أحيانا صورة الأعرج الروائي المغامر ابن الشهيد الذي عانى من الجماعات المتشددة بالجزائر ما دفعه إلى اللجوء بفرنسا.تماس وتناصوفي الرواية ينفتح باب آخر لاستدعاء سلمان رشدي الروائي الذي صدرت فيه فتوى من آية الله الخميني بإهدار دمه بعد نشره لروايته 'آيات شيطانية'، مما جعله مهددا بالقتل من عدة جماعات، ويلتقي في ذروة شهرته بعارضة الأزياء 'بادما لاكشمي' التي أحبها وتزوجها بعد ثلاث زيجات فاشلة.ويشتبك هذا المعطى مع صورة المؤلف في رواية واسيني الأعرج، الذي اشتهر برواية بعنوان 'عرش الشيطان'، الذي يلتقي أيضا 'نوة' عارضة الأزياء.يتأكد هذا التماس واستحضار شخصية رشدي عندما تذكره 'نوة' بالاسم بقولها 'لا بد أن يكون ذعرك أكبر مع عرش الشيطان. قالوا بأن الشيطان هو من أوحى لك بهذا النص... قرأت هذا في إحدى الصحف الوطنية، قبل أن يفتوا بقتلك، وجدوا شبها بينك وبين سلمان رشدي وابن المقفع ...'.إن لالتفات الأعرج إلى سيرة سلمان رشدي دوافع منها تقاطعها نسبيا مع سيرته من ناحية، ولأن السيناريوهات نفسها تعاد بين المبدعين وحراس النوايا -كما يسميهم- في ظل تنامي التيارات المتشددة وما تعيشه حربة التعبير بسبب سياسة التهديد بالتصفية التي تنتهجها بعض الجماعات المتشددة تجاه بعض الكتاب الذين يتجرؤون على تحريك السواكن.تشق رواية 'أصابع لوليتا' طريقها ضمن المنجز الروائي العربي في لغة شعرية راقية وكتابة مشهدية سينمائية، مؤكدة أن الرواية باعثة للحياة ومنقذة لها، فكما أنقذت شهرزاد رقبتها بالحكايات التي كانت ترويها ناقصة كل ليلة للملك شهريار فيؤجل قتلها، وكما كانت القصص طريقة مقاومة الوباء عند أبطال الديكامرون للإيطالي بوكاتشو، تنهض روايات يونس مارينا لتنقذ لوليتا من الموت بتأجيل انتحارها كل مرة.وتعد رواية واسيني الأعرج -الصادرة عن دار الآداب- رواية باحثة 'أرشيفية' تبدو في ظاهرها قصة حب مجنونة، لكن الكاتب يقول فيها راهننا العربي سياسيا وثقافيا، ويفتح جروح التاريخ صعبة الالتئام لقراءة مستقبل إنسان عربي يبدو محكوما عليه بالانتحار، وليس له إلا اختيار الطريقة إما بالقتل أو بالنضال أو برمي نفسه في المنفى البعيد.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصابع لوليتا ومحاورة الأدب العالمي أصابع لوليتا ومحاورة الأدب العالمي



GMT 18:23 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تتألق بإطلالة "كاجوال" في أحدث ظهور لها

GMT 11:17 2020 الثلاثاء ,22 أيلول / سبتمبر

أفكار غير تقليدية لعمل ركن القهوة في المنزل

GMT 08:46 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

«وطن» لـ«عم خليل».. قصتان

GMT 03:43 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

كان الخلاف قطرة فأصبح قطر

GMT 06:17 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 07:07 2020 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على تردد قناة ميكس هوليود الفضائية 2020 تحديث ديسمبر

GMT 19:52 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

مجلس النواب يوجه برقية للرئيس السيسي بثقة المجلس وتأييده
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia