استغباء مرغوب فيه

استغباء مرغوب فيه!

استغباء مرغوب فيه!

 تونس اليوم -

استغباء مرغوب فيه

بقلم ـ د. وحيد عبدالمجيد

 عندما احتدم الخلاف بين المفكرين الكبيرين فولتير وجان جاك روسو فى منتصف القرن الثامن عشر، لجأ كل منهما إلى السخرية من الآخر فى بعض الأحيان، ولكن دون أن يتجاوز أو ينسى أنه فى معركة أفكار بين كبار، لا مهاترات بين الصغار.

بلغ الخلاف ذروته حول بعض ما ورد فى كتاب روسو المثير للجدل (خطاب فى أصل التفاوت الاجتماعى بين البشر) الذى صدرت طبعته الأولى عام 1750، وانصب تحديداً على رؤية روسو لحالة الطبيعة الأولي. وبعث فولتير رسالة إلى روسو فى أغسطس 1755 قال فيها متهكماً: (لم يحدث قط أن استخدم أحد كل هذا الذكاء بهدف جعلنا أغبياء إلى حد تعترينا عنده الرغبة فى أن نمشى على أربعة أرجل عندما نقرأ كتابك).

لم يقصد روسو أن يفعل ذلك بأى حال. ولكن إسرائيل فعلت مثله عن سبق قصد وتصميم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد بالغت، ومازالت، فى الروايات المتعلقة بالاضطهاد الذى تعرض له يهود ألمان، وأوروبيون، فى ظل ما أُطلق عليه المحرقة النازية (الهولوكوست).

لم تكتف باستغلال ما حدث بالفعل فى هذه المحرقة، وسجله التاريخ الذى أدان النازية بسبب جرائمها ضد اليهود، كما ضد العالم بوجه عام, بل بالغت فيه لابتزاز الأوروبيين عموماً، وليس الألمان فقط. وها هى تواصل هذا النهج عندما تُنكر حق بولندا فى إنكار مسئوليتها عن جرائم ضد اليهود عندما احتلها النازيون، وتضع مشروع قانون يمنع الإشارة إلى تورط مواطنيها فى المحرقة النازية. لم ينكر من وضعوا المشروع هذه المحرقة بأى حال، بل رفضوا اعتبار البولنديين جناة رغم أنهم ضحايا. فقد قتل النازيون بولنديين من مختلف الأطياف بلغ مجموعهم ما لا يقل عن خمسة ملايين يشخص.

وما كان لإسرائيل أن تثير كل هذه الضجة، وتُنكر حق البولنديين فى رفض تحميلهم مسئولية أفعال سلطة نازية احتلت بلدهم، إلا لنجاح الحملات التى نظمتها لابتزاز الأوروبيين، أو بالأحرى استغبائهم، بسبب المحرقة النازية على مدى أكثر من سبعين عاماً.

لم يرفض الأوروبيون استغباء إسرائيل لهم، بل بدوا كمن يقبلونه عن طيب خاطر. ولذلك يثير رفض بولندا هذا الاستغباء غضباً إسرائيلياً عارماً لأنه قد يكون مقدمة لخروج أوروبا من حالة الاستسلام للابتزاز.

المصدر : جريدة الأهرام

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استغباء مرغوب فيه استغباء مرغوب فيه



GMT 08:45 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

موقعة إنجليزية فى مدريد

GMT 07:24 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

أطفال تُعساء زى الفل!

GMT 08:29 2019 الإثنين ,27 أيار / مايو

أبعاد أزمة هواوى

GMT 07:38 2019 الأحد ,26 أيار / مايو

فضيلة تفهم الدوافع

GMT 07:57 2019 الخميس ,23 أيار / مايو

ظاهرة «الفاجومى» علميا

GMT 15:12 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 17:42 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 10:55 2019 الثلاثاء ,19 آذار/ مارس

الإصابة تحرم منتخب سورية من نجم الأهلي

GMT 03:18 2012 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوروبا تعود إلى السودان من باب النفط والذهب!

GMT 14:52 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 23:50 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

8 طرق سهلة للحصول على بشرة لامعة وجميلة

GMT 04:30 2013 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

"نسيان" تعلن تخفيض سعر سيارة "ليف"

GMT 20:57 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

نبيل الكوكي يستقيل من تدريب الرمثا الأردني
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia