الأدب والمجتمع والاقتصاد 26

الأدب والمجتمع والاقتصاد (2-6)

الأدب والمجتمع والاقتصاد (2-6)

 تونس اليوم -

الأدب والمجتمع والاقتصاد 26

عمار علي حسن

... وفى سبيل مقاومة القهر السياسى سلطت الرواية الضوء على الأزمة الحادة التى تواجه الحرية السياسية فى العالم العربى، من خلال رصدها لواقع تلك الأزمة، وتجسيدها فى مشكلات الأبطال الروائيين، العامة والخاصة، فصورت حصار ومطاردة وتعذيب هؤلاء الأشخاص، عبر تناولها حياة السجن كنقيض للحرية، منطلقة من اعتباره مكاناً روائياً؛ لتعالج أحد مظاهر غياب الديمقراطية، وترصد شكلاً من أشكال علاقة السلطة السياسية بالإنسان العربى. ومن أهم الروايات التى تناولت حياة السجن وصنوف التعذيب، «الكرنك» لنجيب محفوظ، و«العسكرى الأسود» ليوسف إدريس، و«شرف» لصنع الله إبراهيم، و«السرداب رقم 2» ليوسف الصايغ، و«الأسوار» لمحمد جبريل و«الزنزانة» لفتحى فضل، و«العطش» و«وراء الشمس» لحسن محسب، و«حكاية تو» لفتحى غانم، فى حين تقدم رواية جمال الغيطانى «الزينى بركات»، التى استلهمت التراث وأسقطته على الواقع، رؤية واضحة لإرهاب السلطة، وألوان القهر والتعذيب، وهى المسألة التى تمثل جوهر أعمال الأديب عبدالرحمن منيف، على سبيل المثال.

ولم تكتف الرواية العربية بتناول هذا «القمع المعلن»، بل تطرقت إلى مظاهر القمع غير المعلن الذى تمارسه السلطة من خلال مؤسساتها ودوائرها البيروقراطية. ومن أمثلة الروايات التى جسدت هذه الحالة «الأشجار واغتيال مرزوق» لعبدالرحمن منيف، و«قالت ضحى»، و«شرق النخيل» لبهاء طاهر، و«الوشم» لعبدالرحمن الربيعى، و«حكاية المؤسسة» لجمال الغيطانى. وقد صارت الحرية، ولا تزال، تمثل هاجساً أساسياً للرواية العربية، وكأن تلك الرواية لا تعدو كونها نصاً وُلد ليدافع عن الحرية والتنوير، قبل أن يكون رواية بالمعنى الفنى للكلمة.

وعالجت الرواية العربية قضية الظلم الاجتماعى من خلال تناولها لنمط العلاقات السائدة بين كبار الملاك وصغار المزارعين فى الريف، مثل رواية «الأرض» لعبدالرحمن الشرقاوى، و«الحرام» ليوسف إدريس، وبين أصحاب العمل والعمال فى المدن، راصدة بشكل دقيق الصورة الذهنية لدى كل طرف عن الآخر. وظهرت «رواية الصحراء»، التى تعرضت لحياة البدو، مثل أعمال إبراهيم الكونى، وكذلك الروايات التى تصدت لشرح طبيعة العلاقات السائدة فى المجتمعات الريعية، التى تعتمد على النفط، كمصدر أساسى للدخل. وفى مقدمة تلك الروايات خماسية عبدالرحمن منيف، المسماة «مدن الملح». وبقدر ما أظهرت الرواية غياب العدل الاجتماعى فى هذه الأمكنة، فإنها تطرقت كذلك للقصور، الذى شاب العدل بمعناه القانونى والسياسى، وتناولت سبل مقاومة هذا الوضع المقلوب.

والمسألة الكبرى، التى مثلت هماً قومياً للأدب العربى، هى الصراع مع إسرائيل، والقضية الفلسطينية التى تقع فى قلبه. فالرواية العربية الحديثة صورت مراحل تطور هذه القضية، وجعلت منها الفكرة المحورية التى دارت حولها أحداثها، ونسجت من خلالها شخصياتها. وأثّرت هذه القضية فى الرواية عبر تقديمها أشكالاً ورؤى وشخصيات جديدة نابعة من واقع النضال الفلسطينى فى مختلف مراحل الانكسار والانتصار والحصار، فتنوعت أشكال البناء الروائى، من الرواية التاريخية إلى الرواية التسجيلية، والرواية الفنية، التى جمعت بين الواقعية والرمزية والتعبيرية.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى).

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأدب والمجتمع والاقتصاد 26 الأدب والمجتمع والاقتصاد 26



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 16:09 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

حلم السفر والدراسة يسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 17:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 14:23 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الدلو الخميس 29-10-2020

GMT 07:56 2014 الإثنين ,14 إبريل / نيسان

انتخاب أبو زيد رئيسة لـ"الاشتراكي" في "النواب"

GMT 11:46 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

بعض مناطق النجم العملاق المشتعل أكثر سخونة من مناطق أخرى
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia