المذهبية والمذهبية المعكوسة

"المذهبية" و"المذهبية المعكوسة"

"المذهبية" و"المذهبية المعكوسة"

 تونس اليوم -

المذهبية والمذهبية المعكوسة

عريب الرنتاوي

تبدو السياسة الخارجية السعودية في حالة حرب غير معلنة، مع إيران..تصل في بعض الملفات والحالات، إلى حد الإشهار، وتصدر الصفوف، و"تحريض الحلفاء" والمجازفة بالاصطدام معهم إن اقتضت الضرورة، فالأولوية من منظور المملكة هي لصدّ "الخطر الإيراني"، الذي بات يحتل الموقع الأول في لائحة الأعداء وسلسلة التهديدات للأمن الوطني السعودي (واستتبعاً الخليجي والعربي). في الملف الإيراني (المباشر)، أعربت السعودية عن قلقها لنتائج اجتماعات "ألما آتا" بين طهران مجموعة "5 +1"، معتبرة أن تراخي قبضة الغرب في التعامل مع ملف إيران النووي وطموحاتها الإقليمية، سيترك المنطقة تحت رحمة القنبلة النووية الإيرانية، وفي هذا تهديد جسيم لمصالحها وأمنها واستقرارها ومستقبلها..هنا تتخطى الدبلوماسية حذرها التقليدي، وتتوجه بأصابع اللوم والعتب والانتقاد لحلفائها الأقرب على الساحة الدولية. في الملف السوري، بدا أن المملكة العربية السعودية، أشد قلقاً من التوجهات الأمريكية الجديدة حيال سوريا، وميل إدارة أوباما الثانية، إلى لنشر الدبلوماسيين بدل نشر القوات المسلحة، وجنوحها للحوار والتوافق مع موسكو، وترجيها للحل السياسي للأزمة السورية، بما يحقق لها غرضين اساسيين: الأول، تفادي التورط العسكري في الأزمة السورية، والثاني، منع "الإصوليين الإسلاميين" من الوصول إلى السلطة في مرحلة ما بعد الأسد، أو تحويل سوريا لأفغانستان جديدة أو عراق جديد...هنا أيضاً، يخرج رئيس الدبلوماسية السعودية عن تقاليد "الحذر" و"التحفظ" المتوارثة عن الدبلوماسية السعودية، وتحدث عن خلافات مع ضيفه الأمريكي جون كيري، مُعلياً من شأن التسليح والعسكرة والتدخل. في الملف العراقي، لا تخفي الرياض انخراطها المباشر في الحرب السياسية والإعلامية (وثمة مصادر تتحدث عن دعم للجماعات السلفية) ضد نظام نوري المالكي، باعتباره دمية إيرانية، ورأس جسر لإيران في خاصرة الخليج والمشرق والعالم العربي، حتى أن صحف الرياض الصادرة في لندن، لم تتورع عن شن حملة عنيفة على نظام مصر الإخوني، بسبب زيارة هشام قنديل لبغداد، وتوقيعه عدة اتفاقات مشتركة مع الجانب العراقي، وبدا أن المملكة ترغب في إحكام الحصار على الحكومة العراقية، وإسقاط المالكي قبل الأسد أو في سياق تطور الأزمة السورية، أما بقية فصول المواجهة السعودية للمالكي فمعروفة قبل قمة بغداد وبعدها. في الملف اللبناني، لا يخفى على كل أعمى وبصير، انحياز المملكة التام، لا لفريق 14 آذار بمكونه السنّي الرئيس وحلفائه من مسيحي لبنان، كما لا يخفى على المراقب دعمها للحركات والمشيخات السنّية، التي بدأت تحظى بقواعد نفوذ وارتكاز قوية، ليس لمواجهة حزب الله (الرافضي) فحسب، بل وعلى حساب القيادات السنيّة التقليدية "الرخوة" في محاربتها لإيران وسوريا و"المحور والهلال الشيعيين"، وقد ارتفعت "مكانة" السلفيين لدى الرياض في ضوء تداعيات الأزمة السورية، وما ترتبه من احتياجات لدعم المعارضة السورية بالمال والرجال والسلاح. والحقيقة أن الاهتمام السعودي بمواجهة إيران، لا ينحصر في هذه الملفات والساحات المذكورة فحسب، فثمة ملفات لا تقل أهمية، تجد الرياض نفسها في حالة اشتباك مباشر مع إيران، من البحرين حيث أصابع الاتهام تتجه دائماً إلى "العامل الخارجي"، وانتهاء باليمن، حيث يُسخر النفوذ السعودي الوازن هناك، لتسوية الحساب مع طهران وحلفائها القدامى (الحوثيين) والجدد (الحراك الجنوبي). الحرب المفتوحة بين السعودية وإيران، والتي يُراد إدخال مختلف دول المنطقة ومكوناتها في أتونها، تخضع كما يعكس الإعلام السعودي (المهاجر بخاصة) لقاعدة "من ليس معنا فهو ضدنا"، في استعارة بائسة لشعار جورج بوش الشهير الذي قسّم العالم بين معسكرين: الأخيار والأشرار..وثمة ضغوط كبرى تبذل على دول "الحلقات الضعيفة" في النظام العربي، لجرها إلى المواجهة مع "دول المحور" ومن كلٍ حسب قدرته، وما تشهده اجتماعات الجامعة العربية من تراجع دول عن مواقفها وتصويتها باتجاه مغاير، يعكس حالة الذل والإذلال التي تعيشها العلاقات العربية البينية، كما أن استخدام "سلاح الجاليات" والعاملين في الخليج، يعد بدوره سلاحاً أشد مضاءً في حرب داحس والغبراء الجديدة. ولضمان الظفر بهذه الحرب، فلا بأس من استخدام مختلف الأسلحة وأدوات الضغط، النظيفة وغير النظيفة، المشروعة وغير المشروعة، المال والسلاح و"السلفية" والإعلام المُحتكر والعلاقات الدولية، وحاجة بعض الأفرقاء التي لا غنى عنها، لدعم دول الخليج والعمالة الوافدة إليها..أما أشكال الدعم ومستوياته المقدمة لكل حليف، أو المحجوبة عن كل "متردد" أو ناءٍ بنفسه عن هذه الحرب المذهبية القذرة، فتختلف من دولة إلى أخرى، ومن فريق إلى آخر، ونقول "مذهبية" في وصف هذه الحرب، من دون إغفال لأبعادها الأخرى المتصلة بحفظ مصالح الأنظمة وبقائها من كل تهديد. إيران وحلفاؤها ليسوا براءً من "المذهبية المعكوسية"، ولا يمكن تنزيهها أو تنزيههم عن "شبهة" التدخل في شؤون الآخرين والتورط في مشكلاتهم الداخلية..لكن الفارق بين المعسكرين، أن إسرائيل وفلسطين والقدس والصراع العربي الإسرائيلي، ما زال حاضراً في خطاب معسكر إيران وحلفائها، في حين تغيب هذه العناوين كليةً عن خطاب المعسكر الآخر. قد يقول قائل، أن استحضار فلسطين والمقاومة والممانعة في الخطاب الأول، ليس سوى ذرٍ للرماد في العيون، وأن المسألة لا تتخطى الخطاب إلى الممارسة..وهذا قد يكون صحيحاً وقد لا يكون، لكن الأهم من الرد على هذا الخطاب لا يكون بإسقاط فلسطين والاحتلال من قاموس المعسكر الذي نحار في إعطائه اسماً ينسجم مع مبناه ومكوناته وأهدافه، والمؤكد أنه لن يكون بجعل التهديد الإيراني، مقدماً على التهديد الإسرائيلي، وكل من فعل ذلك من قبل، أو سيفعله من بعد، خاسرٌ لا محالة، حتى وإن طال الزمن. نقلا عن مركز القدس للدراسات السياسية

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المذهبية والمذهبية المعكوسة المذهبية والمذهبية المعكوسة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 00:01 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

الرجاء البيضاوي يتعثر أمام الزمالك المصري في المغرب

GMT 12:40 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 21:12 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من بهجة إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 10:42 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

أسعد يُشيد بإمكانات مصر في مجال التكنولوجيا

GMT 04:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

منتجع "جبل نوح" يوفر تجربة سياحية فريدة من نوعها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia