في السجال الهابطهنا وهناك

في السجال الهابط...هنا وهناك

في السجال الهابط...هنا وهناك

 تونس اليوم -

في السجال الهابطهنا وهناك

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

مؤسف أن نجد أنفسنا، مع نهاية كل عام، في سجال عقيم وهابط، حول جواز، أو عدم جواز، الاحتفال بموسم الأعياد...ومحزن بعد كل ما مررنا به، ومرت به المنطقة برمتها، أن يخرج علينا "جيل جديد" من "فقهاء الظلام"، بـ "فتاوى" التحريم والتكفير، التي تسيء لنا جميعاً، وليس لفئة من مواطنينا فحسب، وتلحق أفدح الضرر بنسيجنا الاجتماعي وعيشنا الواحد، وتصرفنا عمّا يتهددنا من تحديات الداخل والخارج.

مخجل هذا النفاق والانفصام، اللذان لا يفارقا مجالس "فقهاء الظلام" من مطلقي "الفتاوى الضلالية" و"عظاتهم"...فهم لا يكفّون عن التغني بماضي العيش الكريم لغير المسلمين في ظلال الدولة الإسلامية، ولكنهم يسقطون في الاختبار عند أول محك...لكأن إضاءة شجرة أو إنارة شارع، أو تزيين واجهة منزل أو محل، أمرٌ جلل، يتهدد العقيدة في أحد (أو جميع) أركانها...هؤلاء ليسوا منّا ولسنا منهم.
أصدقكم القول، أنني أشعر بـ"وخزة" عندما يستهل أحدهم، وربما يكون حسن النيّة، حديثه عن فلان أو علان "من الإخوة المسيحيين"...أشعر أن "الأخوّة" هنا، ترد في التمييز والاستثناء، وليس للدلالة على الشراكة في الوطن والمساواة في المواطنة...أشعر بقلق أكبر، حين يقال إن فلاناً جيد وصادق وأمين، علماً بأنه "غير مسلم"، لكأن الخصال الحميدة تقتصر علينا وحدنا، دون سوانا من خلق الله...وينتابني إحساس بالاشمئزاز، حين أرى البعض من أبناء مدرسة "التحريم" و"التكفير"، يكتب ينظم شعراً أو ينثر خطباً تمجد تماهي مسيحي بلادنا بمسلميها، حتى أنهم يطلقون أسماء الصحابة الأجلاء على أبنائهم، ويرددون "البسملة" و"آيٍ من ذكر الحكيم"...لكأن المسيحي الجيد، هو المسيحي "الممسوحة هويته الدينية"، والمُعاد انتاجه، على صورتنا وشاكلتنا، لكأننا في أعمق أعماقنا، نرفض قبول الآخر كما هو، ونريد له أن يكون رجع صدى لصوتنا وأفكارنا عن العالم والحياة والخلق والطبيعة والمجتمع.
تأخذ المسألة بعداً فجائعياً، فيه شيء من الكوميديا السوداء، حين يندلع سجال متخلف كهذا في فلسطين، وطن المسيح الأول، ومهد رسالته ومسرح حياته...وفي كل سنة، من أسفٍ، تفجعنا سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، بقرارات تنتمي لأكثر المدارس الفقهية تخلفاً، فتشرع في حظر الاحتفالات بالميلاد ورأس السنة، وتستنفر "شرطتها الدينية" لقمع مظاهر الفرح والاحتفال، لكأنهم يستكثرون على أقل غزة، لحظة فرح بالميلاد أو بمقدم العام الجديد.
النفاق هنا، يبلغ مبلغاً عظيماً، حين تستمع لأحدهم، يذكرك بأن مسيحي فلسطين (جزء منهم على الأقل) صوّت لحماس في آخر انتخابات تشريعية...أو يبدأ بالإشادة بمناضلين وشهداء من المسيحيين، نشطاء وسياسيين ومثقفين ورجال دين...ثم ينصرف من دون أن يجد نفسه مرغماً على شرح هذا التناقض والازدواج...أهكذا تكافئون من صوتوا لكم؟ ...أهكذا تكافئون شهداءنا وأبطالنا من مناضلين ورجال دين، تحولت مآثرهم إلى "أساطير" تروى وتتناقلها الأجيال؟
ينسى هؤلاء في حمأة اهتياجاتهم الغرائزية، أن شعبهم في صراع حول "الصورة" و"الرواية" مع من يحتل أرضه ويدنس مقدساته ويمنع عنه لقمة الخبز وحبة الدواء...إسرائيل تزعم، أن حرية العبادة لأتباع الديانات، بما فيها الاحتفاء بمناسباتها، لم تكن مضمونة يوماً كما هي اليوم، تحت حراب احتلالها...حماس، تعطيهم الشواهد والبراهين على صحة مزاعمها...إسرائيل تكسب معركة "الصورة" و"الرواية" والفلسطينيون يخسرون...شكراً حماس.
أيها السادة: لو لم يكن في فلسطين مسيحيين من أبناء البلاد الأصليين، لتعين استجلابهم وتوطينهم...لا معنى لفلسطين، إن لم تكن حاضنة لهذا التنوع الديني...لا معنى لفلسطين من دون مسيحييها، اللهم إلا إذا كان البعض منهم، يتمنى في سريرته إلحاق "المهد" و"القيامة" بمصير "آيا صوفيا"...ألم يفرحوا بقرار تحويلها إلى مسجد، فرحاً عظيماً؟
 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في السجال الهابطهنا وهناك في السجال الهابطهنا وهناك



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 17:17 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 18:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:04 2021 الخميس ,09 كانون الأول / ديسمبر

الخطوط التونسية تعلن عن برمجة رحلتين إضافيتين إلى لندن

GMT 11:01 2016 الجمعة ,18 آذار/ مارس

فوائد الروزماري الطبية والجمالية

GMT 16:25 2021 الثلاثاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

قانون المالية التعديلي في تونس يؤكد وجود عجز بـ9،7 مليار دينار

GMT 17:34 2021 الخميس ,01 إبريل / نيسان

وطنُ الصَفْحِ والمصالحةِ والمصافحة

GMT 17:54 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

انخفاض في درجات الحرارة

GMT 07:18 2016 الخميس ,17 آذار/ مارس

الألوان الهادئة الأفضل

GMT 10:26 2021 السبت ,15 أيار / مايو

رحيل

GMT 14:49 2021 الأحد ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إضراب لأعوان شركة البستنة والغراسات يوم 16 نوفمبر في قبلي
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia