حالة وفاة

"حالة وفاة"

"حالة وفاة"

 تونس اليوم -

حالة وفاة

عريب الرنتاوي

يكفي أن تقول "عنّا حالة وفاة"، حتى تُسقِطَ عن نفسك اللائمة لخرق أي التزام، والتخلف عن أي موعد، أو إدارة الظهر لكل عهد قطعته على نفسك، حتى لو كانت كلفة التملص من الالتزام باهظة على الطرف الآخر، ومحرجة له. ذات، كنا على موعد مع مؤتمر إقليمي في اسطنبول، يومها اصطحبنا عدداً من الكتاب والمثقفين للإدلاء بدلائهم، ولقد بعثنا بأسمائهم وسيرهم الذاتيه وعناوين مداخلاتهم، وأدرجنا مع شركائنا هناك كل هذه المعلومات في "برنامج عمل المؤتمر" و"الوثيقة التعريفية بالمشاركين"..حُجِزت المقاعد و"قُطِعت" التذاكر، واستؤجرت الغرف في الفندق..أحدهم قبل ثلاث ساعات من الرحلة اعتذر لأن "حالة وفاة" قد وقعت في العائلة..أما الثاني فلم يكلف نفسه عناء الاعتذار، لنعرف بعد عودتنا، أنه هو الآخر واجه "حالة وفاة"، لا أراكم الله مكروهاً بعزيز. قبل أيام، كنّا على موعد مع ثلاثين نائباً للذهاب إلى البحر الميت لتبادل خبرات برلمانية مع زملاء وأشقاء من المغرب وتركيا..عشرون فقط أكملوا مشوارهم..بعضهم اعتذر مسبقاً بسبب "حالة الوفاة"..ومن تغيب من دون معذرة، عرفنا لاحقاً أنهم يمرون بتداعيات "حالة وفاة"..بقيت غرفهم في الفندق فارغة، يصفر الريح بين جنباتها، وظلت أسماؤهم و"باجاتهم" على المنضدة الجانبية للمؤتمر، من دون أن يتسلمها أحد. في تجوالنا بمحافظات المملكة المختلفة، طوال السنوات الماضية، تعرضنا لغيابات مفاجئة متعددة، لكتاب وسياسيين وقادة أحزاب ومثقفين..دائما كانت الحجة "حالة وفاة"..حتى أننا بتنا نعرف ما الذي سيقوله ضيفنا المُتغيب من دون معذرة، وفي تسعين بالمائة من الحالات، كنّا على صواب في استنتاجاتنا: "حالة وفاة"، لدرجة أن أحد الزملاء تساءل ذات يوم: "لماذا لا يتوفى الأردنيون إلا قبيل لحظات من ندوة هنا أو مؤتمر هناك؟..هل هو من سؤ طالع الضيوف أم من سؤ حظ الأنشطة التي ينتوون المشاركة فيها؟..هل هو سبب حقيقي، أم ذريعة نتغطى بها للتخلص من "حرج" المشاركة في الأنشطة العامة؟..هل بلغ الأردنيون حد الإشباع من "العمل العام"، إن كان الحال كذلك، لماذا نلحظ "تواضعاً" في مستوى وسوية العمل العام، أقله من الناحية السياسية والفكرية والمعرفية؟. ولكي لا نظلم النشطاء والسياسيين والنواب وقادة الرأي، يتعين علينا أن نعترف بأن "كلفة" العلاقات العامة، على من يعمل في العمل العام، تبدو مرتفعة جداً ومرهقة للغاية، في مجتمع صغير وعشائري..أذكر ذات يوم في مكتب الصديق الدكتور ممدوح العبادي، أنه تلقى خلال نصف ساعة فقط، قضيتها معه، ثلاث دعوات لـ"جاهات كريمة"، فضلاً عن تذكيره بأكثر من "واجب عزاء" يتعين عليه القيام به"، فهناك دائماً من لديه "حالة وفاة". من يتتبع تكرار "حالات الوفاة" يظن أن الوضع الصحي في الأردن في تدهور مستمر، مع أن متوسط أعمارنا في ارتفاع، وخدماتنا الصحية والطبية في انتشار، والأطفال لم يعودوا يتوفون في سنٍ مبكرة، والنساء نجون من حالات الوفاة أثناء الولادة..ومع ذلك، لا يكاد ينقضي "مؤتمر" أو "ندوة" من دون أن يسجل "حالة وفاة"..هل يذهب الأردنيون جميعاً إلى "حالة الوفاة"؟..أم أن كثيرٍ من حالات الوفاة هذه، هي "افتراضية"، ويجري التذرع بها للتملص من التزام، أو للغياب عن نشاط. صار من السهل علينا، نحن خبراء "حالات الوفاة" أن نميز بين الحقيقي منها و"الافتراضي"..فعندما يقول لك شخص أن أبي أو أخي أو أمي توفاه (أو توفاها) الله، تدرك أن الرجل صادق فيما يقول، وتنتقل مباشرة إلى تقديم واجب العزاء، بل والاعتذار عن الدعوة أو التذكير أو الإلحاح..أما عندما يكتفي بعبارة "عنّا حالة وفاة"، فإنت تعرف أنها من باب "لزوم ما لا يلزم"، فلا تكلف نفسك عناء السؤال عن المُتوفي أو "أخذ خاطر" محدثك. لدينا عزوف عن العمل العام، وهي مشكلة لا تتصل بالشباب والنساء والفئات والمناطق المهمشة فحسب، بل هي مشكلة النخبة والطبقة السياسية والثقافية والفكرية في البلاد..لذا نسمع الكثير من الجعجعة ولا نرى سوى القليل من الطحين. نقلا عن موقع القدس للدراسات السياسية

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حالة وفاة حالة وفاة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 00:01 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

الرجاء البيضاوي يتعثر أمام الزمالك المصري في المغرب

GMT 12:40 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 21:12 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من بهجة إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 10:42 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

أسعد يُشيد بإمكانات مصر في مجال التكنولوجيا

GMT 04:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

منتجع "جبل نوح" يوفر تجربة سياحية فريدة من نوعها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia