لماذا قالها بوتين

لماذا قالها بوتين؟

لماذا قالها بوتين؟

 تونس اليوم -

لماذا قالها بوتين

غسان شربل

يُسرف الزعيم العربي في التحفظ حين يكون الحديث للنشر. وربما كان محقاً. جملة صغيرة تكفي لإثارة الحساسيات فالعلاقات العربية تتصف في الغالب بالهشاشة والحساسيات القديمة والمستجدة. لكن الزعيم نفسه يشعر بالراحة حين يكون غرض الجلسة تزويد الصحافي بخلفيات تساعده على قراءة الأحداث.

كان ذلك قبل ثلاث سنوات. لم تكن خطوط المواجهة في سورية ما هي عليه اليوم. ولم يكن هناك من يتحدث عن «سورية المفيدة». وكان جنرالات النظام يسربون أنباء عن قرب حسم المعركة واستعادة الأرياف التي أفلتت من قبضة الجيش.

كنت أسأل الزعيم العربي عن المحادثات التي أجراها مع فلاديمير بوتين حول سورية. نقل عن الزعيم الروسي أن بلاده ليست متمسكة بعائلة أو رجل لكنها لا تريد وضعاً ليبياً في سورية تنهار فيه مؤسسات الدولة ويستبيحها الإرهابيون. وقال أيضاً إن سورية ليست بعيدة عن روسيا المعنية هي الأخرى بخطر الأصوليين. وإن السماح للأصوليين باكتساح المنطقة يشكل خطراً هائلاً على الأمن والاستقرار والاقتصاد والأقليات.

قال الزعيم العربي: «ما دام الحديث ليس للنشر لا أخفيك أن بوتين طرح علي مسألة غريبة صاغها على شكل سؤال. سألني هل تعتقد أن الأسد يفكر في الإقامة على جزء من سورية يضم حوالي سبعة إلى ثمانية ملايين شخص؟». أضاف انه فوجئ بالسؤال ورد عليه «إذا اختار ذلك من أين يأتي بهذه الملايين فعدد العلويين لا يتجاوز المليونين؟». قال بوتين: «أنا أتساءل فقط إن كان يمكن أن يفكر بالإقامة مع المسيحيين والدروز وجزء من السنة».

سألت المتحدث عن عواقب تنفيذ سيناريو من هذا النوع فأجاب: «هذا شديد الخطورة على الدول المجاورة والمنطقة بأسرها. هذا يعني أن الجزء غير الخاضع لسلطة الأسد سيكون شبيهاً بالصومال أو أفغانستان وهذا يعني العراق والأردن وتركيا فضلاً عن لبنان».

طلب الزعيم العربي من مدير مكتبه إحضار خريطة للحدود السورية - اللبنانية. وقال: «إذا بدأ تنفيذ الخطة ب في سورية فإن الحدود اللبنانية - السورية قد تشهد أحداثاً أمنية على جانبيها. هذه الأحداث قد تشمل بلدة لبنانية» وأشار إلى عرسال على الخريطة ورسم خطاً تحتها. وحين فرغ من كلامه غلبتني غريزة الصحافي فتناولت الخريطة الصغيرة ووضعتها في جيبي.

لازمني السؤال الذي طرحه بوتين على الزعيم العربي. تذكرته مرات عدة. حين كان الجيش السوري يخسر المزيد من الأرض. وحين احتفل «حزب الله» بانتصاره في القصير. وحين اندلعت المواجهات في عرسال. وحين اندلعت معارك الزبداني.

وحين تزايد الكلام عن «سورية المفيدة». وحين تمدد «داعش» على أجزاء من سورية والعراق. وكنت أحياناً أرجع إلى تلك الخريطة.

تذكرت تلك الجملة - السؤال مع تزايد الأنباء عن انخراط روسي عسكري واضح في الأحداث في سورية. وحديث المحللين عن مغامرة القيصر في إمكان التسبب بأفغانستان عربية هذه المرة. وحديث خبراء أن «الخطة ب» صارت أمراً واقعاً. وإعراب الأطلسي عن قلقه البالغ من ظهور مشاة البحرية الروسية في اللاذقية.

أسئلة كثيرة يطرحها التدخل الروسي العسكري الذي لم يعد سراً. هل جاء «الجيش الأحمر» للمشاركة في محاربة «داعش» وأخواته أم لمنع انهيار ما تبقى من هياكل الدولة السورية؟ هل جاء لتعزيز موقع موسكو في المفاوضات حول الحل السوري أم لتعزيز موقع الأسد وجعل بقائه أمراً واقعاً؟ هل سلم القيصر الروسي بأن سورية السابقة قد انتهت أم أنه يريد حجز موقعه في المظلة التي ستُنصب فوق حل ينجب سورية الجديدة في صورة حكم مركزي ضعيف فوق أقاليم ومناطق نفوذ؟ هل جاء ليملأ الفراغ الناجم عن الانسحاب الأميركي؟ هل جاء حليفاً للإيراني أم منافساً له على ما تبقى من سورية؟ وهل يريد تقديم نفسه حارساً للأقليات متجاوباً مع ضغوط الكنيسة الأرثوذكسية؟

أسئلة جديدة كثيرة ستشغل أهل المنطقة. أنا ما زالت تشغلني تلك الجملة التي رماها القيصر على شكل سؤال؟ أغلب الظن أنها ليست جملة عابرة وبريئة وأنها قد تكون وردت في تقارير أجهزة الاستخبارات لديه. الأجهزة التي يحبها لأنه جاء منها. لماذا قالها بوتين؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا قالها بوتين لماذا قالها بوتين



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 00:01 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

الرجاء البيضاوي يتعثر أمام الزمالك المصري في المغرب

GMT 12:40 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 21:12 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من بهجة إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 10:42 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

أسعد يُشيد بإمكانات مصر في مجال التكنولوجيا

GMT 04:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

منتجع "جبل نوح" يوفر تجربة سياحية فريدة من نوعها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia