من المريض في الجزائر

من المريض في الجزائر؟

من المريض في الجزائر؟

 تونس اليوم -

من المريض في الجزائر

خيرالله خيرالله

في النهاية من المريض الحقيقي؟ المريض ليس الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي عاد الى الجزائربعد رحلة علاج باريسية استغرقت ثمانين يوما. الجزائر مريضة. من يقف مع النظام السوري في الحرب التي يشنّها على شعبه مريض. كانت الجزائر بين الدول العربية القليلة التي دعمت النظام السوري رافضة أن تأخذ علمابمقتل عشرات آلاف السوريين عن طريق القوات الموالية لبشّار الاسد، وهي قوات تنتمي في معظمها الى طائفته، ولاؤها للطائفة قبل أن يكون لسوريا. أكثر من ذلك، ترفض الجزائر الاعتراف بأن هناك قوى اقليمية، على رأسها ايران، وقوى دولية، على رأسها روسيا، تشارك في المجزرة التي يتعرّض لها الشعب السوري. لم يصدر الى الآن، موقف جزائري يدين مشاركة ميليشيا "حزب الله" اللبنانية، وهي تابعة لايران، في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه...من منطلق فئوي ومذهبي ليس الاّ. من الواضح أن الجزائر، كنظام طبعا، ترفض الانحياز الى شعب يطلب استعادة حريته وكرامته لا أكثر. انّ النظام الجزائري، الذي يتشدّق دائما بـ"ثورة المليون شهيد" على استعداد يومي للمطالبة بـ"حق تقرير المصير" لهذا الشعب أو ذاك، حتى عندما يكون ذلك حقّا يراد به باطل. في الوقت ذاته، يستكثر هذا النظام على الشعب السوري قيامه بثورة من اجل التخلص من نير العبودية والاستعمار. انه الاستعمار المتلطي بشعارات فضفاضة خالية من أي مضمون مثل "المقاومة" و"الممانعة". انتهى عهد بوتفليقة قبل أن ينتهي قانونيا. انتهى قبل انتهاء ولايته الرسمية في ربيع السنة 2014. وفّرت فترة العلاج التي امضاها الرئيس الجزائري في باريس فرصة كافية للذين يتحكّمون فعليا بالسلطة، أي المجموعة العسكرية، كي يؤكّدوا أن هناك عهدا رئاسيا جديدا في الجزائر وأن ليس ما يدعو بعد الآن الى الأخذ برأي بوتفليقة في أي شأن من الشؤون بما في ذلك بقاء سفير تابع له في هذا البلد المهمّ أو ذاك. لا حاجة الى الاتيان بأمثلة حيّة على أن القرار في الجزائر خرج من يدي بوتفليقة الذي لم يعد سوى رئيس صوري. هناك وقائع تشير الى ذلكوالى أن صفحة الرجل طويت  وأن قدرته على ممارسة نوع من التوازن مع المؤسسة العسكرية، ممثلة بالجهاز الامني التابع لها، لم تعد واردة. لا يمكن تجاهل أن عبدالعزيز بوتفليقة كان يمتلك شخصية قويّة. لا يمكن تجاهل تاريخ الرجل. لا يمكن تجاهل أنه كان الشخص المؤهل لخلافة هواري بومدين بعد وفاته اواخر العام 1978 واجتماع الحزب لاختيار خليفة له في العام 1979. وقتذاك، ادرك عبدالعزيز بوتفليقة الذي كان ينتمي الى المجموعة الصغيرة المحيطة ببومدين، بل كان يعتبر نفسه الشخص الاقرب الى الزعيم الجزائري الراحل، أن القرار النهائي يعود الى المؤسسة العسكرية أوّلا وأخيرا. ادرك ذلك متأخّرا بعدما اختار العسكر أن يكون العقيد الشاذلي بن جديد خليفة بومدين، من منطلق أنه الضابط الذي يتمتع بالاقدمية على نظرائه.كان الشاذلي قائد الناحية الثانية (وهران) وبقي في السلطة حتى مطلع العام 1992 حيا اضطر الى الاستقالة أثر الانتخابات البلدية التي اسفرت عن فوز كاسح للاسلاميين. بين مطلع التسعينات والعام 1999 تاريخ الاتيان ببوتفليقة رئيسا للجمهورية، خاض الجيش الجزائري حربا على الارهاب. لم يكن من خيار آخر امامه، في حال كان مطلوبا "انقاذ الجمهورية". استطاع اجتثاث الارهاب مستعينا بمؤسسات الدولة. جاء ببوتفليقة رئيسا بعدما اكتشف الجيش أنه الشخص الافضل للعب دور على صعيد المصالحة الوطنية. حقق بوتفليقة نجاحا كبيرا على الصعيد الداخلي. حاول، من دون نجاح يذكر، تقمّص الادوار التي لعبها هواري بومدين في الخارج، وهي ادوار مرتبطة بمرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وقد أكل الدهر عليها وشرب. ساعده داخليا ارتفاع اسعار النفط والغاز. ولكن بعد كلّ هذه السنوات في السلطة، بات عليه اعادة الامانة الى اصحابها. يعيد بوتفليقة الامانة الى العسكر الذين اتوا به الى الرئاسة في 1999 بعدما خذلوه في العام 1979. اكتشف الرجل أن ثمة خطوطا لا يستطيع تجاوزها. فهو مضطر الى التزام اللغة الخشبية للعسكر في شأن كلّ ما يتعلّق بأنظمة دموية مثل النظام السوري. وهو مضطر للبقاء اسير عقدة المغرب، خصوصا في شأن كلّ ما له علاقة بقضية الصحراء المغربية والحدود المغلقة بين البلدين. بكلام أوضح اكتشف بوتفليقة اين حدوده. كان عليه التزام لعبة العسكر القائمة على محاربة الارهاب داخل الحدود الجزائرية والاستفادة منه قدر الامكان في  المجال الاقليمي. فالارهاب خطر على الامن الجزائري، لكنه مرحّب به عندما يتعلّق الامر باستهداف أمن هذه الدولة الجارة أو تلك. الاكيد أن رجلا يمتلك خبرة عبدالعزيز بوتفليقة كان يستطيع أن يفعل الكثير من أجل بلده والمنطقة وذلك في ضوء تجربته الطويلة كوزير للخارجية واحتكاكه بالعالم المتحضر. لم يفعل شيئا. اكتفى بالهامش الذي سمح به العسكر. يمكن القول أنه تعلّم من تجارب الماضي، ولكن من جانب معيّن ضيّق جدا. تعلّم من درس 1979 عندما لم يتمكن من خلافة هواري بومدين على الرغم من أنه كان الأحقّ في ذلك. ولذلك، في الامكان القول أن عهد بوتفليقة انتهى من حيث بدأ. بدأ بالعسكر وانتهى بالعسكر. هل هذا قدر الجزائر، أم أن انها مقبلة على تطورات كبيرة؟ تبدو هذه التطورات متوقعة في ضوء غياب أي قدرة لدى النظام على الخروج من عقد الماضي اقليميا، وتحسين الوضع المعيشي للمواطن داخليا من جهة... وغياب ما يضمن بقاء اسعار النفط والغاز مرتفعة من جهة أخرى!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من المريض في الجزائر من المريض في الجزائر



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 00:01 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

الرجاء البيضاوي يتعثر أمام الزمالك المصري في المغرب

GMT 12:40 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 21:12 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من بهجة إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 10:42 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

أسعد يُشيد بإمكانات مصر في مجال التكنولوجيا

GMT 04:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

منتجع "جبل نوح" يوفر تجربة سياحية فريدة من نوعها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia