قبل اغتيال رفيق الحريريوبعده

قبل اغتيال رفيق الحريري...وبعده

قبل اغتيال رفيق الحريري...وبعده

 تونس اليوم -

قبل اغتيال رفيق الحريريوبعده

خيرالله خيرالله

بعد تسع سنوات لا يزال السؤال: لماذا اغتيل رفيق الحريري؟ من يتمعّن في ما آلت اليه بيروت ومعها لبنان، بات يستطيع اعطاء جانب من الجواب عن السؤال. بعد تسع سنوات على اغتيال رفيق الحريري، بدأت تتضح الصورة أكثر فأكثر. كانت مجرد صورة غير مظهّرة، مجرّد فيلم داخل كاميرا من النوع القديم. صارت بالاسود والأبيض لاحقا، وها هي تخرج حاليا بالألوان، خصوصا مع بدء جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. اغتيل رفيق الحريري لأنّه اعاد الحياة الى الى لبنان. بدأ ببيروت. أعاد لبنان الى خريطة الشرق الاوسط. ثمة من يعتقد أنّه يستحقّ القتل فعلا بعد كلّ ما فعله للبنان واللبنانيين وبعد كل ما حاول أن يفعله لكل عربيّ يمتلك حدا أدنى من الاخلاق والوفاء لأهله...ومن الوطنية. هيّأ رفيق الحريري من اجل ان يكون لبنان مكانا للبنانيين أوّلا،  يأتي اليه العرب، كلّ العرب، وأميركيون وأوروبيون وكلّ من يطمح الى مكان آمن له ولأفراد عائلته. بعد تسع سنوات، بات ممنوعا، على العربي أو الاجنبي المجيء الى لبنان. كان مطلوبا المباشرة في تدمير لبنان حجرا حجرا ومنزلا منزلا وبناية بناية وحيّا حيّا ومنطقة منطقة ومحافظة بعد محافظة. كان مطلوبا نشر البؤس في لبنان من اجل اخضاعه وتهجير ما بقي من أهله ومن كفاءات. لم يعد مطلوبا سوى أن يكون اللبناني غريبا في وطنه وأن يكون اسير طائفته ومذهبه بدل أن يكون في خدمة وطنه وأن يكون وطنه في خدمته لا فارق... كلّما مر يوم نفهم أكثر لماذ اغتيل رفيق الحريري ولماذا استهدف قبله مروان حماده ولماذا كانت تلك السلسلة الطويلة من الشهداء بدءا بسمير قصير وصولا الى محمّد شطح مرورا بجورج حاوي وجبران تويني ووليد عيدو وبيار أمين الجميّل وانطوان غانم  وفرنسوا الحاج ووسام عيد ووسام الحسن. كلّ شهيد من الشهداء، بمن فيهم الشهداء الاحياء مثل الياس المرّ ومي شدياق وسمير شحاده يروي قصّة. انها قصة لبنان المطلوب القضاء عليه. مطلوب افقاره وتهجير أهله لا أكثر. بعد بدء جلسات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لم يعد سرّا من اغتال رفيق الحريري وباسل فليحان ورفاقهما في ذلك اليوم المشؤوم. لم يعد سرا من يرفض مثول المتهمين أمام المحكمة. ما لم يعد سرّا أيضا، أنّ من اغتال رفيق الحريري لم يكن يستطيع التحرك وقتذاك، أي في يوم الرابع عشر من شباط- فبراير 2005 من دون تغطية من النظام الامني السوري- اللبناني الذي كان يتحكّم بانفاس اللبنانيين ويحبسها. من نفّذ...هذا أمر آخر. انه أمر مرتبط بمشروع اقليمي راح يأخذ بعده الحقيقي في ضوء الحرب الاميركية على العراق التي انطلقت في آذار- مارس 2003 ولم يخرج منها سوى منتصر واحد هو النظام في ايران. كانت ايران شريكا صامتا في الحرب الاميركية على العراق. كانت من سهّل على القوات الاميركية دخول جنوب العراق ثم السير في اتجاه بغداد. كانت ايران الطرف الوحيد الذي أيّد مجلس الحكم الانتقالي الذي تشكّل على أساس طائفي ومذهبي ومناطقي بعد سقوط النظام العراقي الذي كان يجب أن يسقط. كان يجب أن يسقط ولكن ليس بالطريقة التي سقط بها، أي على يد الأميركيين وحدهم بدباباتهم وطائراتهم بدعم ضمني من ايران وتواطؤ معها. قتل رفيق الحريري لأنّه جعل من لبنان حصنا عربيا. جعل من لبنان بلدا يؤمن به أهله ويؤمن به العرب ويؤمن به المجتمع الدولي. ولذلك، ليس صدفة بعد تسع سنوات على اغتيال رفيق الحريري أن لا يعود في استطاعة أي عربي المجيء الى لبنان. صار كلّ عربي مهدّدا في لبنان. لم يعد فيه مكان سوى للايراني الذي ينفّذ في غير منطقة لبنانية مشروعا استعماريا من منطلق مذهبي. ينفّذ هذا المشروع على حساب كلّ لبناني بغض النظر عن الطائفة التي ينتمي اليها. لا يشبه هذا المشروعالايراني، الذي بدأ، منذ فترة طويلة، في التوسّع في اتجاه سوريا، سوى مشروع اسرائيل القائم على الاستيطان في القدسوالضفّة الغربية وبناء مزيد من المستعمرات فيها وربطها ببعضها البعض عن طريق شبكة طرقات، بل شبكات من الطرق الآمنة. لا شيء يحدث في الصدفة في لبنان. كان رفيق الحريري عقبة في وجه هذا المشروع الايراني، نظرا الى أنه كان يمثّل لبنان، كل لبنان بعيدا عن أي تعصّب مذهبي أو طائفي. كان رجل المناصفة وليس المثالثة. ولذلك قتل. مع رفيق الحريري، توقّف العدّاد عن العمل. بعد الانتهاء من رفيق الحريري، عاود العدّادالطائفي والمذهبي نشاطه. صار المسيحيون في لبنان مجرّد حقيبة وزارية وليس نصف لبنان... من نفّذ الجريمة معروف جيّدا. من تواطأ كان ذلك النظام السوري الحاقد الذي كان يعتقد أنّ التخلص من رفيق الحريري سيجعله يقيم في لبنان الى ما لا نهاية وأن يحمي في الوقت ذاته مشروعه الطائفي القائم على حلف الاقلّيات داخل سوريا نفسها. كانت تلك الجريمة التي شارك فيها النظام السوري بطريقة أو بأخرى الطريق الاقصر لتعرية هذا النظام الذي اضطر الى الانسحاب عسكريا من لبنان في نيسان- ابريل 2005 واضعا نفسه أكثر من أيّ وقت تحت رحمة ايران وحمايتها المباشرة من منطلق مذهبي بحت. لم يدرك أنه في اللحظة التي انسحب فيها من لبنان، انسحب أيضا من سوريا. ترك لبنان لايران ووضع نفسه، كلّيا، تحت رحمة النظام الايراني. تلك كانت النتيجة المباشرة لتغطيته جريمة اغتيال رفيق الحريري ومشاركته في الجرائم التي تلتها. لمن يحتاج الى دليل عل ذلك، يمكن سؤاله هل كان النظام السوري لا يزال يسيطر على دمشق لولا ايران...ولولا الدعم الذي مصدره "حزب الله" الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الايراني؟ تدور الدوائر وتعود الى ما هو مختصر ومفيد في الوقت ذاته. قبل اغتيال رفيق الحريري، كان لبنان يسعى الى اعادة بناء نفسه وكانت سوريا، حتى في ظلّ النظام الطائفي فيها، تمتلك هامشا من المناورة في تعاطيها مع ايران. بعد اغتيال رفيق الحريري، صار لبنان أسير ايران وصارت سوريا في القفص ذاته. لذلك، يبدو نضال الشعبين اللبناني والسوري نضالا واحدا أكثر من أي وقت من أجل التخلص من القفص الايراني والخروج منه وتحطيم قيود فرضها هذا المستعمر الجديد الآتي باسم الطائفة والمذهب وكلّ أنواع الغرائز البدائية...

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قبل اغتيال رفيق الحريريوبعده قبل اغتيال رفيق الحريريوبعده



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 00:01 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

الرجاء البيضاوي يتعثر أمام الزمالك المصري في المغرب

GMT 12:40 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 21:12 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من بهجة إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 10:42 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

أسعد يُشيد بإمكانات مصر في مجال التكنولوجيا

GMT 04:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

منتجع "جبل نوح" يوفر تجربة سياحية فريدة من نوعها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia