ليست مشكلة غباء فقط

ليست مشكلة "غباء" فقط...

ليست مشكلة "غباء" فقط...

 تونس اليوم -

ليست مشكلة غباء فقط

خيرالله خيرالله

تتجاوز المشكلة القائمة بين العرب عموما والادارة الاميركية الحالية  "الغباء" و"الاصابة بالعمى". انها ليست مشكلة "غباء" فقط. لذلك، ليس كافيا في أي شكل نفيّ وزير الخارجية الاميركي جون كيري هاتين الصفتين عن السياسة التي تعتمدها بلاده تجاه الشرق الاوسط، خصوصا عندما يتعلّق الامر بصفقة ما مع ايران. نعم، ليس كافيا صدور نفي من هذا النوع عن كيري، كي تعود الثقة بين العرب، عرب الاعتدال من جهة وادارة باراك أوباما من جهة أخرى. باختصار شديد، يحتاج العرب الذين يعتبرون أنفسهم، من دون خجل، حلفاء لاميركا الى سياسة تتسم قبل أي شيء آخر بالوضوح. فالمؤسف أوّلا، أنّ ادارة أوباما لا تفرّق بين العرب من جهة واسرائيل من جهة أخرى. وضعت كلّ حلفائها في سلّة واحدة. مثل هذا التصرّف لا يدلّ على غباء وعجز عن الرؤية الثاقبة فحسب، بل يدلّ ايضا على وجود عقل تبسيطي في واشنطن لا يعرف شيئا عن ايران وممارساتها من جهة وعما يعاني منه العرب في العمق من جهة أخرى. انها سياسة تصبّ في النظر الى الموضوع الايراني من زاوية واحدة وحيدة هي حماية اسرائيل، من دون أخذ في الاعتبار للحاجة الى الاستقرار في المنطقة. والاستقرار يظلّ، الى اشعار آخر، مطلب عربي عموما وخليجي على وجه الخصوص. ما الذي يريده العرب من أميركا؟ الجواب بكل بساطة أن ثمة مخاوف حقيقية من سياسة أميركية لا تعي أن المشكلة مع ايران لا تقتصر على البرنامج النووي وعلى وجود محطة بوشهر في منطقة أقرب الى الضفة العربية من الخليج من التجمعات السكانية الايرانية. هذه المحطة  تبعد أقلّ من ثلاثمئة كيلومتر عن الكويت، مثلا، في حين أنّها على مسافة سبعمئة كيلومتر من طهران! ما يحتاج اليه الشرق الاوسط هو سياسة أميركية لا تتجاهل التدخل الايراني لا في البحرين ولا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان ولا في اليمن. ماذا تفعل ايران في العراق مثلا؟ هل مشكلة العراقيين مع البرنامج النووي الايراني أم مع سياسة تقوم على اثارة الغرائز المذهبية؟  ليس هناك عراقي يستطيع تجاهل أن الحكومة العراقية برئاسة السيّد نوري المالكي ما كانت لتتشكل لولا ايران التي مارست ضغوطا أدت في نهاية المطاف الى استبعاد الدكتور أيّاد علاوي عن موقع رئيس الوزراء. بقي العراق من دون حكومة طوال عشرة أشهر. انتهى الامر بالادارة الاميركية أن قبلت باستبعاد اياد علاّوي عن موقع رئيس الوزراء. تشكّلت حكومة برئاسة المالكي الذي كان يشكو في الماضي من "الارهاب" الذي يمارسه النظام السوري. انتهى الامر بتحوّل العراق الى حليف للنظام السوري من منطلق مذهبي بحت! لكلّ بلد عربي قصة مع ايران تتجاوز البرنامج النووي الذي يهمّ الولايات المتحدة من زاوية أنه يحتمل أن يتطور الى برنامج ذي طابع عسكري وأن يهدّد اسرائيل يوما. هذا ما يشكو منه العرب عموما. انهم يشكون من أن ايران تتدخل في سوريا بلمال والسلاح والرجال من أجل تعميق الشرخ الطائفي والمذهبي فيها. ويشكون أيضا من استعانة ايران بميليشيا مذهبية لبنانية تابعة لها لدعم النظام السوري الذي يرتكب كلّ صباح ومساء مجزرة في حقّ شعبه من جهة وتأكيد ان الانتماء المذهبي في لبنان يتجاوز حدود الوطن الصغير وأقوى من الانتماءالوطني من جهة أخرى. كذلك يشكون من أن ايران تسعى بكلّ وضوح الى تفتيت اليمن وزيادة الانقسامات فيه كي لا تقوم للبلد، الموجود على حدود المملكة العربية السعودية، قيامة يوما. أما في البحرين، فان التدخل الايراني أكثر من واضح ويقوم أوّل ما يقوم على زعزعة الاستقرار في المملكة، من منطلق مذهبي أوّلا، بغية افهام كلّ دول المنطقة أنّ دور شرطي الخليج منوط بالنظام الايراني وذلك بغض النظر عن طبيعة هذا النظام ونوع العلاقة التي تربطه بالولايات المتّحدة. هل تغيّر شيء في الخليج بعدما حلّت "الجمهورية الاسلامية" مكان نظام الشاه الامبراطوري؟ هل تغيّر شيء في السلوك الايراني تجاه احتلال الجزر الاماراتية الثلاث (أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى) في عهد الشاه؟ في النهاية، اذا كانت الادارة الاميركية تسعى فعلا الى تفادي الظهور في مظهر الادارة الساذجة التي لا تعرف شيئا عن الشرق الاوسط، فان الخطوة الاولى التي يفترض بها تتمثل في التمييز بين الموقفين العربي والاسرائيلي من ايران. اسرائيل لديها حسابات خاصة بها تتلخّص باحتمال حصول ايران على السلاح النووي. أما العرب، الذين لديهم مشكلة أيضا مع اسرائيل اسمها قضية الشعب الفلسطيني، فلديهم ملفات كثيرة يريدون البحث فيها مع ايران. في مقدّم هذه الملفات هل ايران دولة طبيعية في المنطقة أم قوة عظمى تستطيع أن تسمح لنفسها بالتدخل في الشؤون الداخلية لأيّ جار من جيرانها وحتى في بلدان لا حدود مشتركة معها مثل لبنان أو اليمن وحتّى سوريا... من وجهة النظر العربية، تتلخّص المشكلة مع ايران في أنها مستعدة للذهاب بعيدا في استخدام السلاح المذهبي خدمة لسياستها التوسّعية التي تلتقي مع السياسة الاسرائيلية أحيانا وتتعارض معها في أحيان أخرى. هذا ما يفهمه العرب جيّدا، وربّما أكثر من اللزوم. وهذا ما يجعلهم يتعاطون بحذر مع ادارة اميركية مستعدة حتى للاساءة الى دولة مثل المغرب عندما يتعلّق الامر بالوحدة الترابية للمملكة. تفعل أميركا ذلك من دون اخذ في الاعتبار للدور المغربي في الحرب على الارهاب في شمال أفريقيا وفي منطقة الساحل... من يبدو مستعدا لصفقة مع ايران لا تاخذ في الاعتبار الادوار التي يلعبها النظام في طهران في هذا البلد العربي أو ذاك، ومن يبدو مستعدا حتى للاساءة الى المغرب الذي يبذل كلّ ما يستطيع من أجل الاستقرار في منطقة تعاني من صعود الارهاب والتطرّف، ليس غبيا. من يفعل ذلك  من دون تمييز بين الهواجس العربية والاسرائيلية يمارس لعبة أقلّ ما يمكن ان توصف به هو كلمة خطيرة. هذا لا يعني في طبيعة الحال أن ممارسة الغباء لا يمكن أن يؤدي الى نتائج  خطيرة قد لا ينجو منها الغبيّ نفسه!  

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليست مشكلة غباء فقط ليست مشكلة غباء فقط



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 19:12 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 19:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 14:21 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي الخميس 29-10-2020

GMT 18:43 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجدي الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia