من القذّافي الى بن لادن وأبو أنس الليبي

من القذّافي... الى بن لادن و"أبو أنس الليبي"!

من القذّافي... الى بن لادن و"أبو أنس الليبي"!

 تونس اليوم -

من القذّافي الى بن لادن وأبو أنس الليبي

خيرالله خيرالله

أصبحت ليبيا بلد العجائب والغرائب.هل يعقل أن يكون خيار المواطن الليبي محصورا بين معمّر القذّافي واسامة بن لادن...أو "أبو انس الليبي". أنه المواطن الليبي المتهم بالارهاب والذي اختطفته القوات الخاصة الاميركية من طرابلس قبل ايّام تمهيدا لمحاكمته. وسيمثل، وربّما مثل فعلا، أمام محكمة أميركية في نيويورك. من يستعرض ما شهدته ليبيا من أحداث بعد اعتقال الاميركيين لـ"أبو انس الليبي" لا يخاف على مصير الاخير، المتهم بالانتماء الى "القاعدة" والمشاركة في التخطيط للعمليتين الارهابيتين اللتين استهدفتا السفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام في العام 1998. من يستعرض ما حصل في طرابلس وبنغازي، انما يخاف على ليبيا كلّها وعلى كلّ الدول التي حولها وعلى كلّ مواطن ليبي يحلم بمستقبل أفضل. في طرابلس خُطف رئيس الوزراء علي زيدان في ظروف غامضة أو واضحة أكثر من اللزوم. كان الهدف من خطفه مبادلته بـ"أبو أنس". استعاد زيدان حرّيته وفق شروط لم تتضح بعد. كلّ ما يمكن قوله أن دعوة الرجل الى التهدئة تعني أنه بات يحسب الف حساب وحساب للخاطفين الذين طوّقوا الفندق الذي يقيم فيه وأخذوه منه تحت تهديد السلاح. وتشير انباء أكيدة الى أن الاخوان المسلمين استغلوا مناسبة خطف الاميركيين لـ"أبو أني الليبي" كي يسعوا الى تنفيذ محاولة انقلابية يظهر أنها باءت بالفشل، أقلّه الى الآن. في بنغازي لم يُخطف أحد. لكن مئات المتظاهرين نزلوا الى الشارع رافعين صور اسامة بن لادن وأعلام "القاعدة" منددين برئيس الوزراء بسبب موقفه من خطف "أبو أنس". في الواقع، اتخذ علي زيدان موقفا معارضا لعمليّة الخطف لكنه أبدى حرصا على العلاقات مع الولايات المتحدة. بدا وكأنّ في فمه ماء، خصوصا أن من يمتلك حدا أدنى من المنطق يعرف أنّ ليس طبيعيا أن يقيم شخص مثل "أبو أنس الليبي"، متهم بالضلوع في تفجيرين ارهابيين تسببا بوقوع مئتين وأربعة وعشرين قتيلا ومئات الجرحى، معززا مكرما في مدينة مثل طرابلس. كان وجود "أبو أنس" في طرابلس ادانة ليس بعدها ادانة لليبيا الجديدة، ليبيا ما بعد القذّافي، الذي لم يتردد في ايواء ارهابيين من كلّ الانواع، من بينهم الفلسطيني "أبو نضال" لاسباب لا علاقة لها بأيّ منطق كان. لم يقتصر ايواء ليبيا- القذافي للارهابيين على "أبو نضال" ومن على شاكلته، بل حوت كلّ من كان استعداد للتخريب في هذه المنطقة العربية أو تلك. وصل بها الامر الى حد دعم جبهة "بوليساريو" التي تستخدمها الجزائر في شنّ حرب استنزاف غير مباشرة على المغرب! باختصار شديد، بقيت ليبيا في مرحلة ما بعد سقوط نظام معمّر القذّافي ملجأ للارهاب والارهابيين. أسوأ ما في الامر، أن المسألة لم تعد مرتبطة بمزاج شخص مريض نفسيا مثل القذّافي. هناك ما هو أخطر بكثير من ذلك. هناك مزاج عام لا يرى مشكلة في حماية الارهاب ولا يرى مشكلة في رفع أعلام "القاعدة" وصور بن لادن.  الاكيد أن المسؤولية لا تقع على الذين ساعدوا في تحرير ليبيا من نظام مجنون استمر اثنين وأربعين عاما، وبين هؤلاء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وحلف شمال الاطلسي عموما. هذه القوى الغربية سعت بكلّ بساطة مع دول عربية محترمة الى تمكين الشعب الليبي من استعادة حريته وبناء مستقبله. كان همّ معمّر القذّافي محصورا بنشر البؤس وحرمان الشعب من ثروات البلد وتنفيذ سياسات تؤدي الى تهجير أكبر عدد ممكن من الليبيين من أرضهم، علما أنّه لا يمكن الاستخفاف بأنه استطاع في كلّ مرحلة من المراحل اقامة تحالفات ذات طابع قبلي ومناطقي. مكّنت هذه التحالفات، التي استخدم فيها المال، نظامه من الاستمرار طوال هذه السنوات الطويلة المؤسف أن الذين خلفوا القذّافي ليسوا، في معظمهم، أفضل منه. ليس معروفا هل يبقى البلد موحّدا، خصوصا أن هناك قوى قبلية قادرة على التحكّم بمناطق معيّنة من دون حسيب أو رقيب. الدليل على ذلك، أن سيف الاسلام القذّافي نجل الزعيم الليبي الراحل في يد قبائل الزنتان التي تحتفظ به وترفض نقله الى طرابلس منذ القاء القبض عليه قبل نحو عامين. من يتمعّن في المشهد الليبي الحالي يتبيّن له أن القذّافي ما زال ينتقم من الليبيين على طريقته. ترك للذين خلفوه مجتمعا ممزقا يصعب اعادة اللحمة اليه، أقلّه لسببين. السبب الاوّل عائد الى الفكر الديني  المتطرف الذي ينتشر انتشار النار في الهشيم في غياب ألحدّ الادنى من الثقافة والتعليم اللذين حرم القذّافي مواطنيه منهما طوال اربعة عقود. أما السبب الآخر، فعائد الى انتشار السلاح في كلّ بقعة ليبية. لم تعد مخازن السلاح هذه، الموجودة بكثرة، تشكّل تهديدا للداخل الليبي وحده. أصبحت خطرا على دول الجوار، من بينها مصر والجزائر وتونس...وكلّ دول الساحل الافريقي حيث انتشار كبير لـ"القاعدة". الاخطر من ذلك كلّه أن لا تعاون اقليميا حقيقيا على الصعيد الامني لمواجهة الارهاب، خصوصا أن الجزائر مهتمة بالحرب غير المباشرة التي تشنّها على المغرب...بواسطة أداة اسمها "بوليساريو" وليس بالحرب على الارهاب ومنابعه. خلاصة الامر أن ليبيا في وضع لا تحسد عليه. انتقل الليبيون من عصر القذّافي الى عصر بن لادن بلمح البصر. ليس ما يشير الى أن لديهم خيارا آخر في المدى المنظور. انّهم في حاجة الى اعجوبة في وقت ولّى زمن العجائب!    

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من القذّافي الى بن لادن وأبو أنس الليبي من القذّافي الى بن لادن وأبو أنس الليبي



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 00:01 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

الرجاء البيضاوي يتعثر أمام الزمالك المصري في المغرب

GMT 12:40 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 21:12 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من بهجة إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 10:42 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

أسعد يُشيد بإمكانات مصر في مجال التكنولوجيا

GMT 04:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

منتجع "جبل نوح" يوفر تجربة سياحية فريدة من نوعها
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia