الخيار الذي رفضته ايران

الخيار الذي رفضته ايران

الخيار الذي رفضته ايران

 تونس اليوم -

الخيار الذي رفضته ايران

خير الله خير الله
خير الله خير الله

تعتقد "الجمهورية الاسلاميّة" انّه بات في استطاعتها مفاوضة "الشيطان الأكبر" من موقع قوّة. تعتقد ذلك في ضوء الاتفاق الاستراتيجي الذي وقعته مع الصين لمدّة 25 عاما من جهة وفي ضوء احتفاظها بأوراقها الإقليمية في الوقت ذاته من جهة اخرى. المعني بالأوراق الإقليمية العراق وسوريا ولبنان واليمن الذي صار منصة ايرانيّة لإطلاق صواريخ في اتجاه الأراضي السعودية.

قد يكون وجود ايران في موقع قوّة صحيحا وقد لا يكون. يعود ذلك الى ان السؤال الذي يبقى مطروحا هل يمكن عزل الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني عن سلوك "الجمهورية الاسلاميّة" في المنطقة والعالم وعن صواريخها الباليستية المجنّحة وطائراتها من دون طيّار؟

نجح الأوروبيون في توفير انعقاد مفاوضات غير مباشرة بين الإيرانيين والأميركيين وذلك في ضوء رغبة الادارة الجديدة في واشنطن، التي مضى شهران ونصف شهر على وجودها في البيت الأبيض، في العودة الى الاتفاق النووي الموقع صيف 2015. كان ذلك في عهد باراك أوباما الذي شغل فيه جو بايدن موقع نائب الرئيس طوال ثماني سنوات. لكنّ المشكلة تكمن في انّه حتّى لو رغبت واشنطن في العودة الى الاتفاق الذي مزّقه دونالد ترامب في العام 2018، يبقى ان مثل هذه العودة لا يمكن ان تكون بمعزل عن عوامل أخرى. في مقدّم هذه العوامل التغيير الكبير الذي حصل في المنطقة منذ 2015. يشمل هذا التغيير العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب والتي كشفت هشاشة الاقتصاد الإيراني. اكثر من ذلك، كشف اغتيال الاميركيين مطلع العام 2020  لقائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" قاسم سليماني بعيد خروجه من مطار بغداد ان "الجمهوريّة الاسلاميّة" ليست سوى نمر ورق. تبيّن انّ ليس في استطاعة ايران الردّ على اغتيال الرجل الثاني فيها وان كلّ كلام عن الانتقام من إدارة دونالد ترامب لتصفيتها سليماني وأبو مهدي المهندس، نائب قائد "الحشد الشعبي" في العراق، يظلّ كلاما.

في النهاية ذهبت ايران الى الصين من موقع ضعف وليس من موقع قوّة. الصين ليست جمعية خيرية وهي مستعدة للاستفادة من ايّ ضعف إيراني نظرا الى حاجتها الى الطاقة الرخيصة. ايران مستعدّة لتأمين الطاقة الرخيصة للصين في ضوء العقوبات الأميركية التي تجبرها على بيع نفطها باقلّ من سعر السوق. إضافة الى ذلك، إنّ الصين غير مستعدّة للتضحية بعلاقات تقيمها مع دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل، من اجل ايران. كلّ ما في الامر، انّ الصين ستكون موجودة في ايران، بما في ذلك عسكريا. يوجد كلام جدّي عن انّه سيكون في الأراضي الإيرانية نحو خمسة الاف جندي صيني، إن لم يكن اكثر، من اجل حماية مشاريع معيّنة تحتاج الى وجود عدد ضخم من الخبراء الصينيين.

ما نشهده حاليا بمثابة تتويج لسلسلة من السياسات الخاطئة أوصلت ايران الى الحضن الصيني في حين كان الشعار الذي رفعه آية الله الخميني مؤسّس "الجمهورية الاسلاميّة"، كان "لا شرقيّة ولا غربيّة، بل جمهوريّة اسلاميّة" أي ان الجمهورية التي يريدها مستقلّة عن الشرق وعن الغرب في الوقت ذاته. أراد أيضا ان تكون هذه الجمهوريّة مستقلّة كلّيا عن اقتصاد النفط والغاز، فاذا بها تحت رحمة النفط والغاز اكثر من ايّ وقت.

ستكون المفاوضات الإيرانية – الاميركيّة شاقة، خصوصا اذا اعتبرت ايران انّه لم يعد امام الإدارة الأميركية سوى الاستسلام لرغباتها. مثل هذا الاستسلام ممكن في حال رفضت واشنطن رؤية ان ايران غير مرغوب بها لا في لبنان ولا في سوريا ولا في العراق. في اليمن نفسه، لا يمكن لإيران سوى ان تواجه مشاكل في المستقبل. يدلّ على ذلك فشل الحوثيين المرّة تلو الأخرى في الاستيلاء على مأرب وذلك على الرغم من ضعف "الشرعيّة" التي تدافع عنها. عاجلا ام آجلا، لن يكون امام ايران سوى الاعتراف بانّ مغامرتها اليمنيّة لن تكون نزهة وذلك على الرغم من مدى ولاء الحوثيين لها، وهو ولاء اعمى لجماعة لا علاقة لها بالدول الحديثة وكيفية ادارتها.

لعلّ الكلام الاخير لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل الفرحان يقول الكثير عن الموقف العربي العام من ايران وعن الطريق الأقصر الذي يمكن ان يوفّر لها اقامة علاقات طيّبة مع محيطها العربي، بدل التصرّف بطريقة تعكس احتقارا لكلّ ما هو عربي في المنطقة. قال وزير الخارجية السعودي لـ"سي. ان. ان" عن فرص التقارب مع إيران: "نريد من إيران وقف أنشطتها التي تتسبب في زعزعة الاستقرار في المنطقة وسلوكها العدواني. بالطبع إذا كانت على استعداد للقيام بذلك، فإن ذلك سيفتح الأبواب ليس فقط للتقارب، ولكن حتى للشراكة". واضاف: "لا يمكن أن يكون هناك تقارب دون معالجة هذه التهديدات الخطيرة جدا" للاستقرار والامن​ الإقليميين من ​لبنان ​ إلى ​سوريا ​ والعراق واليمن إضافة إلى الأنشطة داخل المنطقة بما في ذلك ​السعودية بتزويد الإرهابيين بمعدات صنع القنابل وأشياء من هذا القبيل".

لا تستطيع الولايات المتحدة تجاهل دول المنطقة وذلك بغض النظر عن رغبة الإدارة الجديدة في السير في سياسة تقوم على فكرة الانقلاب على كلّ ما قامت به إدارة ترامب. ثمّة واقع لن تتمكن الإدارة الجديدة التخلّص منه مهما فعل شخص مثل روبرت مالي المسؤول عن الملف الإيراني. في النهاية ان الواقع القائم في الشرق الأوسط والخليج لا يمكن الّا ان يفرض نفسه على شخص مثل مالي معروف بتعاطفه مع ايران.

لا يمكن تجاهل اهمّية الاتفاق الاستراتيجي الصيني-الإيراني، لكنّه لا يمكن أيضا تجاهل المشاكل التي تواجه ايران حيثما تدخلت مباشرة او عبر ادواتها، أي ميليشياتها المذهبيّة. فاذا كانت التجربة اثبتت شيئا، فهي اثبتت انّه حيث تدخلت ايران منذ الثورة التي أطاحت نظام الشاه واقامت "الجمهورية الاسلاميّة"، حل الخراب، اكان ذلك في العراق او سوريا او لبنان او اليمن. مثل هذا الخراب كان سيحلّ بالبحرين لو لم يوجد من يتصدّى لإيران ودورها.

ما الذي تريده الإدارة الأميركية في نهاية المطاف؟ الأكيد انّها لن تستلم امام ايران ولكن هل تستطيع افهامها ان نتائج العدوانية لا يمكن ان تكون مثمرة... بل كلّ ما يمكن ان تؤدي اليه هو الاستسلام الايراني امام الصين بدل الدخول في علاقات طبيعية مع دول المنطقة والعالم. مثل هذا الخيار، أي العلاقات الطبيعية مع دول المنطقة هو ما رفضته ايران وهو الذي قاد الى الحضن الصيني.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيار الذي رفضته ايران الخيار الذي رفضته ايران



GMT 07:40 2021 الثلاثاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لا 99 ولا 100

GMT 10:52 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الصين جزء من المشكلة لا من الحلّ

GMT 10:49 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حاكم العراق يقلِّب جمرتين

GMT 10:47 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

بيان تعليق عضوية

GMT 09:34 2021 السبت ,09 تشرين الأول / أكتوبر

السادة المبعوثون

GMT 14:43 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 12:31 2013 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"موبينيل" تدرس اقتراض 2.5 مليار جنيه من البنوك

GMT 16:24 2021 الأربعاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

درة تخطف الأنظار بإطلالة مميزة وعصرية

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 08:26 2021 الثلاثاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الغنوشي يدعو الرئيس التونسي للالتزام بالدستور الذي أقسم عليه

GMT 16:27 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

شوبارد Chopard عود ملكي من أكثر المكوّنات العطريّة النفاسة

GMT 19:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز اهتمامات الصحف اللبنانية الصادرة الأحد

GMT 15:37 2021 الأحد ,28 شباط / فبراير

العنف الاسري ارهاب بحق الامان الاجتماعي

GMT 07:59 2021 الثلاثاء ,28 أيلول / سبتمبر

بداية تعافي قطاع السياحة في ولاية جربة التونسية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia