حرب جهادية  فرنسية بالألوان

حرب جهادية / فرنسية بالألوان

حرب جهادية / فرنسية بالألوان

 تونس اليوم -

حرب جهادية  فرنسية بالألوان

غسان الإمام

1961: أمضيت أربعة أيام في مالي. كنت الصحافي الوحيد من الإقليم الشمالي (سوريا) في عداد وفد صحافي زائر من الجمهورية العربية المتحدة. لم أعد أتذكر لماذا «غزونا» هذا البلد الأفريقي المسالم. كل ما أذكره أن الاحتفاء بنا كان كبيرا. يكفي أننا كنا لديهم عربا من بلد جمال عبد الناصر. ولم تكن أفريقيا سيكوتوري. موديبو كيتا. نكروما، قد فقدت، بعد، براءة الحرية والاستقلال، لتنغمس في الاستبداد والفساد. كان أفارقة مالي يقبلون على العرب. ولم يكونوا ينفرون منهم، كما يفعلون هذه الأيام، بعدما قطع عرب الجهاد الحربي المتزمت أيديهم. وكان الزميل إحسان عبد القدوس يسخر من زميله حسين فهمي. فقد فسر رحمه الله ترحيب الماليين بنا، بأنهم يريدون الانضمام، إلى دولة الوحدة المصرية / السورية التي لم يبق من عمرها آنذاك، سوى شهور قليلة. فقد فصم ضباط مدينتي دمشق (قلب العروبة النابض) الوحدة مع مصر. ولم يكونوا يعرفون أن العقوبة ستكون وحدة إجبارية (ما يغلبها غلاب) مع الأسد الأب والابن، لمدة 42 سنة. «مالي» هذه الأيام شاشة ميدانية لفيلم حربي فرنسي. أميركي. عربي مشترك، بالألوان الأبيض. الأزرق. الأسود. السيناريو فذ. ومدهش. بطل الفيلم. ومخرجه. ومنتجه الرئيس فرنسوا أولاند أوقف الحروب بين الفرنسيين حول زواج المثليين. وهادن جيرار دوبارديو الذي يرفض دفع الضرائب. وأعلن الحرب على الجهادي (المسمى الأعور) المختار بلمختار الجزائري. فقد تسلل من باب الحارة في شمال مالي، ليبيع سجائر مارلبورو في العاصمة باماكو، حيث يقيم ستة آلاف فرنسي ممنوعين من التدخين في فرنسا. أدهش فرنسوا أولاند الفرنسيين. والماليين. وسبعة مليارات إنسان في العالم. فهذا الفرنسي الإنسان. المهذب. الناعم. المحظوظ الذي لم يطمح أن يدخل قصر الإليزيه، أدخل الفرنسيين حربا يؤيدونه فيها بحماسة. في أية حرب، أنت بحاجة إلى صديق تحالفه. وعدو تحاربه. وجد أولاند دول أفريقيا الغربية كلها معه. وأميركا على يمينه. وبريطانيا على يساره. وفي كل حرب، عليك أن تسجل نصرك بسرعة. وتسحب بسرعة أكبر. بعد ساعات من دخوله الحرب، فوجئ أولاند بمعركة دموية لم يكن يتوقعها. وإن كان بعض حلفائه وأعدائه يتهمونه، من تحت لتحت، بالتسبب بنشوبها. في الحرب، ليست البطولة أن يموت المقاتل قبل عدوه، وإنما أن يمنح نفسه فرصة للحياة، لكي يعيش المبدأ الذي يقاتل من أجله. في كل حروب الإسلام «الجهادي»، مات «المجاهدون» قبل الأوان. فقد منحوا الآخرين الفرصة لصيدهم أفرادا وجماعات. ولم يبكهم أحد. فقد جعلوا مهمتهم قتل الأبرياء عندما مارسوا الانتحار. تحدى عرب «أنصار الدين» فرنسا في شمال مالي. ثم فروا إلى الجزائر. ارتهنوا مئات الجزائريين والغرباء العاملين في مصنع للغاز. قتلوا العمال اليابانيين. علقوا الأحزمة الناسفة في أعناق الأوروبيين والأميركيين. هددوا بنسفهم إذا اقتحمت القوات الجزائرية المصنع. وإذا لم يفرجوا عن عمر عبد الرحمن مفتي الإسلام «الجهادي» المحبوس في نيويورك. الجزائريون لا يعرفون المزاح. هاجمت قوات الأمن المصنع. حاول الخاطفون الفرار بالمخطوفين. فقتلوا معهم. هل تسرع النظام الجزائري في اقتحام مصنع الغاز؟ ربما، كي يفوت الفرصة على الخاطفين لاستغلال المخطوفين دعائيا. ولكي يحول دون أن تدفع الدول المخطوفة الفدية. ثم تُنْكِر أداءها. ثم تضطر الجزائر إلى إطلاق الخاطفين والمخطوفين. رسم الاستعمار الحدود بالخطوط المستقيمة. ضاقت قبائل الطوارق بتمزيق خطوط القبيلة والعشيرة بلا رحمة. وهي التي جابت الصحارى طوال التاريخ حرة. فتمردت الألوان على الألوان. تمردت قبائل الطوارق الزرق على الدولة السوداء. تعذبت مالي بالطوارق. وعذبت الطوارق. تمردت القبائل مرارا. طالبت بحكم ذاتي. فجابتها دولة اللون الأسود في باماكو بالممانعة دائما وأبدا. التحالف مع «الجهاديين» انتحار. في تمرد الطوارق الأخير، تحالفوا مع «الجهاديين» في أزاواد (موطن الطوارق في شمال مالي). فخطف «الجهاديون» العرب الحلم. أقاموا باسم الطوارق المخطوفين دولة في الشمال بحجم العراق (نصف مليون كيلومتر مربع). عجز جيش مالي عن استرداد الأرض. فقلب النظام الديمقراطي في باماكو! كانت هشاشة الدولة فخا للجهاديين والطوارق. أكل الطموح والطمع الجهاديين. فزحفوا إلى باماكو بسلاح القذافي القتيل ومال العرب الوفير. فاصطدموا بالفرنسيين. في معارك الحب، فتش عن المرأة. في حروب السياسة، فتش عن أميركا. استشعرت أميركا خطر الإسلام «الجهادي» باكرا. فشكلت قيادة عسكرية في أفريقيا. دربت. وسلحت الطوارق المنخرطين في الجيش المالي، فانضموا إلى إخوتهم المتحالفين مع «المجاهدين». كان أولاند أشجع وأسرع من باراك أوباما المتردد. فتغدى بدولة «المجاهدين» في الشمال، قبل أن يتعشى «المجاهدون» بالدولة السوداء في الجنوب. هل الإسلام «الجهادي» في انحسار، أم في انتشار؟! خسرت «القاعدة» القدرة على المبادرة. فسبقها الإسلام السياسي والإخواني، إلى خطف الانتفاضة والسلطة من شباب الإنترنت. اغتالت النحلة الأميركية (درون) «القاعدة». فحاولت تنظيماتها الأخطبوطية مشاركة «الإخوان» في الغنيمة. فتعثر الشركاء، في غياب القدرة على تكييف الدين مع الحداثة. لكي يحكم، صالح الإسلام السياسي أميركا. وبقي دون كيشوت «الحربي» يحارب طواحين الهواء الأميركية والعربية. ولا يدرك أن قسوة التطبيق التراثي لا يطيقها مجتمع مؤمن. فقير. فقد بات عاشقا للحرية. برهنت الانتفاضة العربية على أن النضال السلمي أكثر نجاحا في الوصول إلى الضمير الاجتماعي. والوطني. والإنساني. نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب جهادية  فرنسية بالألوان حرب جهادية  فرنسية بالألوان



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 17:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تواجهك عراقيل لكن الحظ حليفك وتتخطاها بالصبر

GMT 14:43 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 14:01 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج السرطان الخميس 29-10-2020

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 10:54 2013 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

مصر: تصنيع 11 ألف حاسب لوحي لطلبة المدارس

GMT 20:46 2017 السبت ,28 كانون الثاني / يناير

فيلم بن أفليك "يعيش ليلًا" يتكبد خسائر ضخمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia