الحرب بلا رؤية سياسية مشروع لترسيخ الإرهاب

الحرب بلا رؤية سياسية مشروع لترسيخ الإرهاب

الحرب بلا رؤية سياسية مشروع لترسيخ الإرهاب

 تونس اليوم -

الحرب بلا رؤية سياسية مشروع لترسيخ الإرهاب

عبدالوهاب بدرخان

. وفي نهاية السنة الرابعة، أبدى العالم مؤشرات العجز عن إغاثة اللاجئين السوريين، وواصل نظام دمشق إظهار لا مبالاته الكاملة. أبدى المانحون سأماً من حروب غزة واستعجلوا ضوءاً في آخر النفق، فيما يتحدّث الاسرائيليون عن احتمال حرب قريبة. وأي حرب تطول يصبح التمويل المخصص للإيواء والإطعام والتدفئة أشبه بتمويل للحرب نفسها. في الشهر الأخير، برز خطر العجز الإغاثي في لبنان خصوصاً، شعرت المنظمات بجزع بالغ سُمعَت أصداؤه في نداءات استغاثة أطلقتها. وفي المؤتمر الأخير في برلين، اتضح أن الحاجة الى المال باتت أكبر بكثير من عروض التبرعات لمنطقة لا تنتهي صراعاتها. فخريطة الإغاثات المطلوبة تشمل أيضاً بلداً نفطياً مثل العراق، وهي ماضية في الاتساع: سورية، غزة، اقليم كردستان العراق، لبنان، الاردن، تركيا... بشرٌ كثرٌ دمّرت بيوتهم وأرزاقهم وسُوّيت أحياؤهم وحاراتهم بالحضيض، أو اقتُلعوا من مناطقهم وأرضهم وأُجبروا على التشرّد من قلب غزّة لأنهم يزعجون قوة الاحتلال، من الموصل والأنبار لأنهم مسيحيون أو أيزيديون أو سنّة، ومن معظم مدن سورية وبلداتها لأن نظامهم يعتبرهم مواطنين زائدين، ووجبت مساعدتهم على البقاء. بل إن منظمات الاغاثة تواجه الآن واقعاً جديداً، فعليها أن تساعد أيضاً لبنانيين وأردنيين وأكراداً تأثرت أوضاعهم بوجود اللاجئين على أرضهم.
«نفد لدينا الكلام»، قالت فاليري آموس منسّقة الإغاثة في الأمم المتحدة، «لنصف كامل الوحشية والعنف والاستهانة بحياة البشر» في سورية التي أصبحت من «أكثر الأماكن خطورة على الأطفال في العالم»، فأكثر من خمسة ملايين طفل فيها يحتاجون الى مساعدة فورية لأنهم «يتعرّضون للقتل والتعذيب وللعنف الجنسي من جميع أطراف الصراع، وفي الشهور الأخيرة زادت التقارير عن قتل الأطفال وإعدامهم علناً وصلبهم وقطع رؤوسهم ورجمهم حتى الموت، وأصيب ملايين منهم بصدمات عنيفة من هول ما اضطروا لأن يروه». وهذه خلاصتها قبل أن تغادر مهمتها: «أصبح المجتمع الدولي متبلّداً ازاء الأرقام الجامدة والمأزق السياسي»... لم تعد قادرة على التمييز بين النظام السوري و «داعش» وفصائل اخرى، وإذ تقاربت الأحوال زالت الفوارق أيضاً بين «الدواعش» والاسرائيليين، وبينهم وبين «نظام المالكي» وميليشيات ايران. منطقة موبوءة بإجرام أشد فتكاً من «الايدز» و «ايبولا».
بالفعل لم يعد أحد يحصي الضحايا. تجمّد الرقم المتداول عند حدّ المئتي ألف انسان قتيل في سورية، كما لو أنه أقصى ما يتقبله الضمير في مقتلة تدور أمام الأنظار، كما لو أن العالم يعتبره «معقولاً»، «مقبولاً»، شرط أن يتوقف، لكنه لا يتوقف، بل إنه فاق المئتي ألف قبل زمن طويل من اعتماد هذا الرقم المروّع معياراً للفظاعة التي قتلت أي ارادة دولية لمواجهتها. الفظاعة نفسها سبق أن ابتُلعت مراراً في غزة، وفي العراق، من دون أن تحرّك المجتمع الدولي. ماذا عن مئات آلاف المفقودين وما هو مصيرهم؟ وماذا عن اللاجئين في المخيمات، هل يعتقد أحد أنهم يعيشون أم يموتون بشكل آخر؟
كالعادة أفلتت اسرائيل العنان لغرائزها هذه السنة فشنّت حربها الثالثة (خلال ستة أعوام) على غزة، وكرر العالم تركه مجرمي الحرب يفلتون من العقاب، حتى أن هؤلاء لا يترددون في التنبيه الى الأخلاقيات: بنيامين نتانياهو يقول إن اوروبا اذ تعترف بالدولة الفلسطينية لم تتعلّم من دروس «الهولوكوست»، لكن هل تعلّم هو شيئاً؟.. هذا «النموذج» الاسرائيلي فعل فعله طوال العقود الستة الماضية في شيطنة الأنظمة العربية، فغدت سلطات احتلال لبلدانها وشعوبها وصار حكامها، تحديداً في سورية والعراق، نسخاً مقلَّدة من شارون ونتانياهو. يعيب الاسرائيليون على الآخرين نسيان «المحرقة» فيما هم يعيدون انتاجها، وعاب بشار الاسد ونوري المالكي وسيدهما الايراني على عرب وغير عرب دعمهم لـ «الارهاب» فيما كانت الأنظمة الثلاثة تتفنن في تصنيع الوحش «الداعشي» حتى صار لفترة حليفها الرابع في تقتيل السوريين والعراقيين (من كل المذاهب)، ثم راحت تنسب نشأته وصعوده الى مصادر شتى، تارة الى تركيا وطوراً الى اميركا وإسرائيل، ما يؤكد المؤكّد وهو أن الجميع شركاء في ذلك التقتيل، وأن «داعش» صنيعتهم مثلما هو الآن عدوّهم الأول.
الأخطر أن الجميع يبحثون حالياً عن أفضل السبل لاستثمار وحشية «داعش» في خدمة مصالحهم، وعلى رغم أن صناعة السلاح تعيش أكثر مراحلها ازهاراً بعد سبعة أعوام من التراجع (أرقام السنة تقترب من 90 بليون دولار)، إلا أنهم يتلكأون في تقديم الطعام والرعاية الصحية الى اللاجئين (8 ملايين نازح سوري و12 مليوناً في الخارج يحتاجون الى المساعدة، وكذلك نحو مليوني عراقي، عدا أكثر من مئتي ألف غزّي بلا مأوى، وفقاً لآخر تقديرات للأمم المتحدة). وفي غمرة المواجهة مع «داعش»، ينسى الجميع الظروف التي ساهمت في ظهوره، والأسباب التي يقولون إنهم يريدون تبديدها. لكن مجريات الحرب تبدو، على العكس، حافزاً لاستيلاد جيل آخر من الارهاب: «التحالف» ونظام الاسد يضربان معاً في الرقّة، الأول يستهدف «داعش» والآخر معارضيه من المدنيين. ويغير «التحالف» الذي تقوده اميركا على مواقع في العراق ثم يتقدّم الايرانيون وميليشياتهم لغزوها واحتلالها. خلال ذلك، وفي السياق نفسه، كانت حرب اسرائيل (بتأييد اميركي) على غزّة، ثم «الفيتو» الاميركي على أي مشروع فلسطيني في مجلس الأمن» وكأن واشنطن تقول للفلسطينيين إن قبول الاحتلال الاسرائيلي هو أفضل الخيارات المتاحة لهم طالما أن أي مقاومة حتى السلمية مرفوضة وأن المفاوضات أضحت حلقة مفرغة.
مع دخول «داعش» المعادلة، صارت الأولوية لتقتيل أكبر عدد من قادته ومقاتليه، فلا خيار معه سوى إلغائه دوراً ووجوداً، فهو لا يعرض التفاوض ولا أحد يرغب في التفاوض معه. ولعل المواجهة أظهرت «فائدة» وحيدة لهذا التنظيم، اذ إنه وسيلة الكثير من الأطراف لتحقيق مكاسب، فظهوره أتاح للأميركيين عودة غير مستَحَقَّة كـ «منقذين»، وسوّغ للإيرانيين تدخلاً أكثر سفوراً وفجوراً كـ «محاربين ضد الارهاب»، وفتح للأتراك بازاراً يساومون فيه على مكانتهم ودورهم كـ «قادة الاسلاميين» في الاقليم، فيما كرّس غياب العرب أكثر فأكثر، حتى أن «الحرب على داعش» باتت مدخلاً لتحديد مستقبل سورية كبلد موحّد أو مفكك، وكذلك مستقبل العراق. كما لو أن كل كلمة في اسم هذا التنظيم تلغي ما قبل وما بعد، فلا هو «دولة» ولا هو «اسلامي» ولا هو «العراق» أو «الشام». أما إضعافه والقضاء عليه فقد يكونان ارهاصاً لإنشاء كيانات عدة بمثابة «مكافآت» للدول النافذة في الاقليم، طالما أن دستور عراق ما بعد الاحتلال الاميركي يمنح الحق في «الفدرلة» كترجمة عربية خاطئة لـ «الانفصال»، وطالما أن خطة ستيفان دي ميستورا تلحظ امكان انشاء كيانات لا مركزية غير مرتبطة بأي مركز. أما اسرائيل فقد تكون مكافأتها بالمساعدة في تصفية قضية شعب فلسطين وأرضها.
ما الهدف من الحرب الراهنة، أهو القضاء على «داعش»، ثم ماذا بعد؟ لا شك في أن عدم الوضوح بالنسبة الى «ما بعد» يلقي بظلال قاتمة على «وحدة» الهدف. فما نعتقد أن اميركا وايران تحاربان من أجله قد لا يكون واقعياً، فكلاهما تحارب خارج أرضها، وفي اتفاقهما أو اختلافهما إشكالات تتعلق بالشعب والأرض اللذين تريدان طرد «داعش» منهما. وبالنظر الى ما هو جارٍ، فإن الحرب، من رؤية سياسية للعراق وسورية وكذلك لفلسطين، تبدو منذ الآن وصفة لخطرين مستقبليين: أولهما ان المعاناة الانسانية للاجئين والمهجّرين لن تنتهي قريباً، بل ستتفاقم وتؤدي الى مآسٍ أكبر، والآخر أن هذه المآسي معطوفة على «انتصار» تسجّله ايران ستعني ترسيخاً وتجديداً للإرهاب أياً تكن تسمياته...

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب بلا رؤية سياسية مشروع لترسيخ الإرهاب الحرب بلا رؤية سياسية مشروع لترسيخ الإرهاب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 19:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:46 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الخميس 29-10-2020

GMT 11:38 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

أجمل ألوان طلاء الأظافر لإطلالته جذابة في ليلة الزفاف.

GMT 14:49 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

rola Edge S" يصل مع "5G" وكاميرا ثلاثية

GMT 12:52 2021 الخميس ,02 كانون الأول / ديسمبر

عبير موسي تقاضي رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي

GMT 14:02 2021 الجمعة ,16 إبريل / نيسان

النجم الساحلي يطير إلى السينغال في رحلة خاصة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia