الوطن جنى علينا

الوطن جنى علينا

الوطن جنى علينا

 تونس اليوم -

الوطن جنى علينا

بقلم :جهاد الخازن

الوطن جنى عليّ. جنى على رفاق العمر، من المدرسة إلى العمل، ومَنْ رحل ومَنْ بقي.

كل بلد عربي وطني، إلا أنني أكتب اليوم عن لبنان، فقد عرفته طفلاً ومراهقاً وشاباً ورجلاً و «شيبة».

كانت لأبناء جيلي خلفية عصر النهضة، وراودتنا أحلام الوحدة العربية، وهي لم تفارقني حتى اليوم فقد كنت والصديق الراحل كلوفيس مقصود آخر طلابها.

أذكر مراهقاً حرب صيف 1958، كانت إرهاصاً للحرب الأهلية بين 1975 و1990. أذكر صائب بك من بيروت إلى جنيف، وعبدالله اليافي وجريدته «السياسة»، بل أذكر عنواناً فيها، وقد سقط في الانتخابات، يقول: يا عيب الشوم. أذكر أياماً طيبة في ستينات القرن الماضي، أفسدها عليّ أن أرى مؤسس «الحياة» الأستاذ كامل مروة قتيلاً في مكتبه، وبقعة دم صغيرة على صدره في مكان القلب.

قلبي توقف عن الخفقان سنة 1967 والقدس تضيع. في الأغوار كان الفلسطينيون، في هجرتهم الثانية، يبكون وجمال عبدالناصر يعلن استقالته. فلسطيني ملتحٍ، لعله من حزب ديني، رأيته يدور بينهم وهو يصرخ ضد الرئيس المصري. كاد يُقتَل والناس ينهالون عليه ضرباً وشتماً.

أيام الجامعة كانت طيبة، أصدقاء وصديقات، ودخل كافٍ، وصيد في الموسم إما في جوار القصر قرب الهرمل، أو في جنوب لبنان. رحلات إلى أوروبا، وإلى الألعاب الأولمبية في المكسيك وألمانيا. أين أنا من أيام تزلجت على منحدرات صنين؟

اعتقدت أن العمر كله نزهة، ثم جاءت سنة 1975 وأدركت أنني أخطأت. نفد الورق من دار «الحياة»، وذهبت مع العروس إلى لندن في إجازة أسبوع، دخلت تلك الأيام عامها الحادي والأربعين. تنقلت بين جدة ولندن وواشنطن، ثم عدت إلى لندن. كنت في الولايات المتحدة طالباً عندما غزت إسرائيل لبنان.

قُتِل كمال جنبلاط وقُتِل رشيد كرامي وقُتِل رفيق الحريري، لي قصص مع كل واحد منهم. قُتِل بشير الجميل الذي عرفت والده الشيخ بيار، وأخاه أمين، الصديق العزيز.

أساتذتي في الجامعة رحلوا عنا. «عمّو» نقولا زيادة، إحسان عباس، محمد نجم، حنا بطاطو، يوسف أبش. رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور كيركوود كان صديقاً، وفي بيته خلال إضراب للطلاب كنت أحدث الدكتور شارل مالك وزرته في بيته في التلال المطلة على بيروت. لم أنسَ رئيس مدرستي الثانوية الأستاذ كليم قربان، ونائبه قيصر حداد، شقيق المناضل وديع حداد.

لا أنتقص من قدر أحد اليوم ولكن أسأل: مَنْ مثل هؤلاء اليوم؟

لم أترك الوطن. الوطن تركني. لم أطلب الغربة في لندن ولا أريدها، وإنما أرجو أن أنضم إلى الأهل مَنْ بقي ومَنْ سبق، إلى والدتي وأخي وخالي وجدي وجدتي. الوطن كسر قلبي. مَنْ لي في لندن؟ صديقي محمود كحيل دُفِن فيها.

لم أتخيل وأنا أتزوج زميلة من الجامعة أن أولادي الثلاثة ستولد الأولى منهم في بيروت، والثانية في لندن، والثالث في واشنطن. أولادي ولدوا في ثلاث عواصم في ثلاث قارات. ولي أخ وأخت في الولايات المتحدة، وأخ بين الخليج وبيروت.

ما الحب إلا للحبيب الأول. أحلم بأن أعود. أن أجلس في شرفة تطل على البحر لأشرب قهوة. أين أنا من حرم الجامعة الأميركية في بيروت؟ أين أنا؟ لا أطلب ثراء أو شهرة، وإنما أحلم بالعودة. لا طموحات عندي. فقط أن أقرأ الصحف في الصباح. أن أرى الأصدقاء لنلعب الشدة في نهاية الأسبوع. أن أمشي على كورنيش المنارة بعد الظهر. أن أزور الأهل. أن أنتقل بين صحو ومطر. أن أحيا.

المصدر : جريدة الحياة

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوطن جنى علينا الوطن جنى علينا



GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 18:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 06:58 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مشعل بن ماجد يرعى غداً الحفل الختامي لمسابقة جامعة جدة

GMT 12:08 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

4 أخطاء عليك تجنبها في تصميم غرف النوم

GMT 06:23 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

كريري مديرًا للكرة في نادي "الهلال" السعودي

GMT 18:02 2015 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ليل يقيل هيرفيه رينار ليصبح أول مدرب يترك منصبه هذا الموسم
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia