لماذا الإسلام المعتدل

لماذا الإسلام المعتدل؟

لماذا الإسلام المعتدل؟

 تونس اليوم -

لماذا الإسلام المعتدل

بقلم : مأمون فندي

مبادرة الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، عن الإسلام الوسطي المعتدل كأساس ومفهوم حاكم للثقافة السعودية الجديدة، تثير أسئلة كثيرة في الغرب على وجه الخصوص، عن مدى إمكانية تحقيق ذلك، وماذا يعني ذلك للسعودية الجديدة. في هذا المقال أريد فتح آفاق جديدة لفهم مدى جدية هذا الطرح، بحكم متابعتي للشأن السعودي خلال الثلاثين عاماً الماضية.

لا يمكن فهم فكرة التغير الثقافي المصاحب لرؤية ولي العهد السعودي، إلا إذا ربطناها برؤيته الاقتصادية الأوسع لتتضح الصورة الكاملة. هنا يمكننا رؤية النقلة النوعية (الثقافية والاقتصادية) في المملكة العربية السعودية ليس في خصوصيتها التي يستخدمها البعض للهروب من نقاش جاد، بل في إطار مقارن للتحولات الكبرى في الأمم الأخرى. هذه الرؤية المقارنة تمكننا من استشراف مستقبل هذا التحول بسيناريوهاته المتفائلة ومحاذيرها أيضاً، ليس بنظارة أو عدسات محلية، وإنما برؤية عالمية أوسع.

التأصيل الأكاديمي لفهم هذا التحول يأخذنا إلى كتاب مؤسس علم الاجتماع الحديث ماكس فيبر (هل هو المؤسس أم ابن خلدون، هذه قصة تطول)، عن الأخلاق البروتستانتية كسبب أساسي في ظهور الرأسمالية. في هذا الكتاب الكلاسيكي(Protestant Ethic and the pirit of Capitalism) أو الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، يرى ماكس فيبر التحولات داخل الديانة المسيحية والتي تمثلت في الانتقال من الحالة الأرثوذكسية إلى الحالة البروتستانتية والثقافة المصاحبة لهذا التحول هما أساس نجاح التجربة الرأسمالية في الغرب. فيما بعد، وربما بعد 80 عاماً من ظهور كتاب فيبر، كتب البرازيلي هيرناندو ديسوتو كتاباً بعنوان «لماذا نجحت الرأسمالية في الغرب وفشلت في بقية العالم؟» وربط ذلك أيضا بالتحولات الثقافية والديمقراطية وسيادة القانون. في هذا الكتاب (كتاب ديسوتو هناك فصل كامل عن مصر) ذكر فيه المؤلف أن القاهرة مثلا من أغنى مدن العالم من حيث العقار، ولكنه رأى أن هذا العقار هو عبارة عن أموال ميتة (dead assets) وذلك لأن معظم العقارات ليست مقننة وليس لها صكوك قانونية، وبالتالي لا يستطيع المصري الاقتراض من البنك مقابل العقار، ولهذا تموت دورة رأس المال ولكي تبعث الحياة في هذه العقارات لا بد من تقنين وضعها. الفكرة في الكتاب كانت علاقة التشريعات والقوانين بحركة رأس المال وإحياء الأصول الميتة واستمرار دورة رأس المال وبالتالي نمو الاقتصاد. نقطته الرئيسيّة في ذلك الكتاب كانت تتمحور حول ربط التحولات الاقتصادية بتغيير في الثقافة العامة والتشريع.

إن حزمة المبادرات التي طرحها ولي العهد السعودي منذ انطلاق «رؤية المملكة 2030» حسب توجيهات الملك سلمان بن عبد العزيز، كلها تصب في تغيير حقيقي في طبيعة دورة رأس المال السعودي، وما يتبعها من حركة ليس للأموال فقط، وإنما الأهم هو حركة البشر في الاقتصاد الجديد وما يتبعه من تحولات اجتماعية وثقافية من طرح جزء من أسهم أرامكو في السوق العالمية، إلى مشروع نيوم حتى قيادة المرأة للسيارة، كلها جزء من رؤية واحدة.

يتحدث البعض عن حق المرأة السعودية في قياده السيارة، وكأنه مبادرة اجتماعية، رغم أن تلك المبادرة هي جزء من تبعات الرؤية التي تتطلب حركة جديدة للبشر (للرجل والمرأة). في الغرب حدثت التغيرات الكبرى بالنسبة لدور المرأة في المجال العام نتيجة الحاجة الاقتصادية وليس ترفاً، فعمل المرأة في بريطانيا وأميركا جاء نتيجة للحرب العالمية، التي أخذت الرجال إلى ميادين القتال، وتركوا فراغاً اقتصادياً ملأته المرأة بخروجها إلى ميادين العمل المختلفة. النقطة هنا هي أن التغيرات الاقتصادية والسياسية الكبرى تحمل في طياتها تحولات ثقافية واجتماعية لا تقل قليلاً.

إذا كانت رؤية ماكس فيبر تقول إن الوعي يشكل الاقتصاد ونمط الإنتاج، من هنا تكون رؤية الملك وولي عهده، أو الوعي الجديد، الذي يشكل نمطاً إنتاجياً جديداً في السعودية ومعه اقتصاد جديد، وثقافة جديدة منفتحة أساسها ما سماه الأمير الإسلام المعتدل.

والثقافة السعودية هي نتاج الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط، وتلك الثقافة أو الوعي تحتاج إلى تغيير يصاحب نمط الإنتاج أو الاقتصاد الجديد.

إذن عبارة العودة إلى الإسلام المعتدل ما قبل الثورة الإيرانية في عام 1979 وعودة المملكة إلى اعتدال الإسلام ووسطيته ومحاربة التطرّف، هي تجليات لما يحدث من تغيير على الأرض. فإذا كانت ملامح الإنسان الخارجية (لون البشرة والشعر وعظام الوجه) تعكس خريطته الجينية، فإن الوعي الثقافي في أي مجتمع هو من تجليات نمط الإنتاج أو نوعية الاقتصاد المهيمن. وبهذا المعنى تكون عبارة الإسلام المعتدل هي جزء من الرؤية الأكبر، ولا تحتاج إلى تساؤلات عما إذا كان بالإمكان تنفيذها أم لا. الاقتصاد الجديد يتطلب العودة إلى الإسلام المنفتح على الثقافات المختلفة، وإن انفتاح الإسلام تاريخياً هو الذي أدى إلى انتشاره. الإسلام لم ينتشر بالتطرف أو بالسيف بل بالتجارة والانفتاح. وهذا حوار يطول.

مهم جداً في رؤية الأمير هي أننا أمام تجديد لشرعية النظام وضخ دم جديد في شرايينه، فمبادرات الأمير مثل قيادة المرأة أو الترفيه أكسبته شرعية واسعة عند شرائح اجتماعية عريضة مثل المرأة والشباب.

بالطبع أي تغيير فيه رابح وخاسر، والقطاعات الخاسرة في التغيير الذي يقوده ولي العهد لتنفيذ الرؤية هي القطاعات المتطرفة ثقافياً وسياسياً وحتى اقتصادياً، أما الغالبية العظمى من الشعب ستكون هي الرابحة في رؤية السعودية الجديدة. وبالطبع أيضا أي تغيير له محاذير من حيث سرعة التنفيذ واتساعه (pace and scope) ولهذا مقال آخر.

النقطة الجوهرية هنا هي إذا ما نظرنا إلى عبارة الإسلام المعتدل في حديث الأمير في سياقها الأوسع، مقارنة مع بقية الأمم وفِي سياق التحولات الاقتصادية الكبرى التي تحدث في المملكة، فسيبطل العجب في الصحافة الغربية، فالعبارة ليست عبارة من أجل العلاقات العامة، بل هي انعكاس لواقع وتمثل واحدة من تجليات الرؤية والاقتصاد الجديد والسعودية الجديدة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا الإسلام المعتدل لماذا الإسلام المعتدل



GMT 09:43 2019 الإثنين ,18 شباط / فبراير

الإمام والبابا

GMT 09:37 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

صباح الأحمد

GMT 02:52 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نظام عالمي جديد؟

GMT 03:56 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

الإعلام الجديد

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 15:12 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:35 2016 الثلاثاء ,23 آب / أغسطس

8 فوائد صحية لأكل الهليون

GMT 01:10 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على طرق وأساليب تعليم طفل 4 سنوات الكتابة

GMT 18:51 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 14:53 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

تعرّف على موعد صرف الزيادة الجديدة على المعاشات

GMT 13:14 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

حزب "الحقيقة" السوداني يعلن خوضه للانتخابات

GMT 09:59 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

وفاة مخرج جيمس بوند البريطاني مايكل أبتيد عن 79 عاما
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia