النيل يبقي ويسافر علي ورشوان

النيل يبقي ويسافر: علي ورشوان

النيل يبقي ويسافر: علي ورشوان

 تونس اليوم -

النيل يبقي ويسافر علي ورشوان

بقلم : مأمون فندي

المفروض أن الحديث كان عن وفاة أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي، ولكن حديث الغذاء مع أسرة يابانية أخذنا لبطل الجودو المصري محمد رشوان.

ذكر الزوج والزوجة أن ما يعرفانه عن مصر هما أبو الهول ومحمد رشوان. القصة كما روتها السيدة روميكو باختصار هي أنه وفي أولمبياد لوس أنجليس 1984 خسر بطل الجودو المصري محمد المباراة النهائية ضد منافسه بطل الجودو الياباني المتوج في ذلك الوقت ياسوهيرو ياماشيتا، وكان ياماشيتا مصابا في إحدى قدميه، وبما أن لعبة الجودو تستخدم فيها ضربات الإقدام، إلا أن اللاعب المصري رفض توجيه أي ضربة لقدم ياماشيتا المصابة، وأصر على نبل اللعبة وشرفها، ورغم أنه، حسب ما روى صديقي الياباني وزوجته لو ضربه في قدمه المصابة لكسب المباراة بسهولة، ولكن البطل المصري فضل خسارة اللقب على الإخلال بنبل الرياضة وقيمها، واكتفى بالميدالية الفضية، بدلا من ميدالية ذهبية يحصدها من بطل جريح. وكانت تلك
الميدالية الفضية الوحيدة لمصر في لعبة الجودو عبر تاريخها، ورغم إمكانية الذهبية، فضل البطل الأخلاق على الفوز. وعلى الرغم من مرور ثلاثين عاما على الحدث، فصديقي الذي هو في نهاية الأربعينات من العمر وزوجته التي تصغره عمرا، يتذكران هذا الحدث الفارق.

يتحدث المصريون خصوصا، والعرب عموما عن صورتهم في الغرب والشرق، ولا يدركون أن الصورة يصنعها الأصل.

مرة ثانية، هذا مواطن ياباني وزوجته لم يذهبا لزيارة مصر، ويعرفان عن مصر فقط أبو الهول ورشوان.

وعندما سألتها عن صورة المجتمع المصري عندهما، قالا «لا بد أنه مجتمع يعلي من قيم العدل والنبل واللعب حسب القواعد العادلة fair play». هذه هي الصورة التي يحتفظ بها اليابانيون عن مصر، رغم أننا جميعا نعرف أنها صورة رشوان وحده، أو أقلية في المجتمع المصري الحديث، لكن لا بأس من صورة جيدة في الخارج يرسمها سلوك الأفراد النبلاء.

الدرس المستفاد هنا هو أن ملايين الدولارات التي تصرف على شركات الترويج والدعاية لمصر، يمكن أن يقوم بها أفراد بتقديم النموذج. الأصل هو الذي يرسم الصورة الباقية عبر الزمن والقادرة على السفر عبر الحدود. النبل يسافر ويبقى. لا أدري ماذا قدم المصريون للعالم من قيم تسافر عبر الحدود وتبقى بعد رشوان، وحتى رشوان نفسه لم يروج له في مصر ذاتها بصفته إنسانا يمثل أفضل ما في القيم المصرية. لا أخفيك قدر سعادتي بحديث أسرة يابانية من أصدقاء ابنتي عن صورة مصر، التي أتمنى أن أراها وأستمتع بالسماع لها من أفواه الغرباء.

وإذا قلنا كم من المصريين قدمنا للعالم ممن يحملون أفضل ما فينا من قيم، فبالأحرى أن أسأل كم من العرب والمسلمين قدمنا للعالم نماذج للنبل والقيم السامية؟ فقبل أن نقدم للعالم يجب ألا ننتظر أن تروج شركات العلاقات العامة لصفات ليست فينا. الأصل هو الأصل وليست الصورة.

بالأمس فقد العالم أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي الذي غّير صورة السود والمسلمين الأميركيين في أميركا والعالم. لم أكن أفكر في الربط بين محمد رشوان ومحمد علي، ولكن حديث الغذاء أخذنا في هذا الاتجاه، حيث كنت عاقد النية للكتابة عن محمد على كلاي والذي مهد الطريق لباراك حسين أوباما ليكون رئيسا للولايات المتحدة. رئيس أسود، أبوه مسلم وأمه مسيحية، ولكن في اسمه حسين. هذا القبول الأميركي هو نتيجة لكفاح طويل لتغيير صورة الرجل الأسود الذي كان ينظر إليه على أنه أقل من إنسان، وكان يشنق على جزوع الشجر في الجنوب الأميركي إلى صورة رجل يمكن أن يترأس الولايات المتحدة الأميركية. محمد علي كان حلقة مهمة من حلقات تغيير صورة الإنسان الأسود في المجتمع الأميركي بإعلائه قيم النبل والعدل، وليس مجرد الكسب في حلبه الملاكمة.

الحلبة بالنسبة لمحمد علي كانت الدنيا بأسرها، والمجتمع ولم يكن تلك المساحة الضيقة. محمد على الذي رفض الانخراط في حرب فيتنام لأنها كانت حربا ظالمة، لم يهمه فقدان ألقابه الرياضية
وإيقافه عن اللعب في الحلبة لأعوام، وسحب رخصته بصفته ملاكما ورميه بالخيانة الوطنية من قبل الرعاع، كل هذا لم يهمه في سبيل إعلائه قيما سامية تعلمها من دينه الجديد كونه مسلما أسود في أميركا. إعلاء قيم العدالة هي التي تبقى كما في حالة رشوان، إلا أنها مضروبة في ألف في حالة محمد علي. الأصل لا الصورة هو ما يغير الصورة.

عندما سأل طفل بريطاني محمد علي ماذا أنت فاعل بعد اعتزال الملاكمة؟ قال: أجهز نفسي للقاء ربي من خلال عمل الخير ومساعدة الآخرين؛ فالعالم يحتاج إلى كل من يصنعون السلام، وهكذا كانت سيرة محمد علي. رجل تسامح وسلام قدم صورة المسلم والرجل الأسود بأسمى ما تحمله من قيم. هذا الذي يبقى.

أسرد كل هذا لحل معضلتنا التي لا نمل من تكرارها، وهي لماذا يرانا الغرب بهذه الصورة؟.. يرانا الغرب لأننا قدمنا له بن لادن والظواهري والزرقاوي والبغدادي وغيرهم، ولم نقدم لهم كفاية من نوعية رشوان ومحمد علي.

لا معضلة علاقات عامة وتحسين الصورة في الخارج هي الأصل، معضلتنا في الأصل في الداخل لا الصورة في الخارج

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النيل يبقي ويسافر علي ورشوان النيل يبقي ويسافر علي ورشوان



GMT 09:43 2019 الإثنين ,18 شباط / فبراير

الإمام والبابا

GMT 09:37 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

صباح الأحمد

GMT 02:52 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

نظام عالمي جديد؟

GMT 03:56 2018 الإثنين ,09 تموز / يوليو

الإعلام الجديد

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 18:23 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تتألق بإطلالة "كاجوال" في أحدث ظهور لها

GMT 11:17 2020 الثلاثاء ,22 أيلول / سبتمبر

أفكار غير تقليدية لعمل ركن القهوة في المنزل

GMT 08:46 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

«وطن» لـ«عم خليل».. قصتان

GMT 03:43 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

كان الخلاف قطرة فأصبح قطر

GMT 06:17 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 07:07 2020 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على تردد قناة ميكس هوليود الفضائية 2020 تحديث ديسمبر

GMT 19:52 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

مجلس النواب يوجه برقية للرئيس السيسي بثقة المجلس وتأييده
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia