الإعلام الجديد

الإعلام الجديد

الإعلام الجديد

 تونس اليوم -

الإعلام الجديد

بقلم :مأمون فندي

هل يستطيع الإعلام الجديد أن يشكل وعياً جديداً وبالتبعية مجتمعاً جديداً ومن ثم شرق أوسط جديداً؟ الإجابة القصيرة هي لا. ولكن السؤال الأهم هو: لماذا لا؟ الإعلام الجديد في منطقتنا هو كما يقول المثل الأميركي «نبيذ قديم في زجاجات جديدة». الأدوات الجديدة من آيفون وإنترنت هي حاملة للمحتوى وللغة ذلك المحتوى، ومن ملاحظاتي خلال الأعوام العشرين الماضية من متابعة ظاهرة ما يسمى الإعلام الجديد (small media) أو الإعلام الصغير، لم ألحظ تغييراً واضحاً في اللغة. إذا كان هناك إعلام جديد فبالضرورة تكون اللغة جديدة. وباللغة الجديدة لا أعني المفردات، فاللغة الجديدة ليست مجرد مفردات جديدة أو مرادفات جديدة، بل هي في المقام الأول تكمن في تشكيل علاقات لغوية جديدة يمكن لها أن تنتج وعياً جديداً. فالوعي الجديد لا تنتجه علاقات لغوية قديمة.

إذا كان ثمة شيء حدث للغة في الإعلام الجديد فهو تدني هذه اللغة، ولا أعني بهذا الانتقال من فصحى المتعلمين إلى عامية أو خليط بين العامية والفصحى، فربما ينتج هذا الهجين شيئاً مختلفاً بتراكم السنين، ولكن ما أقصده هو أن العلاقات اللغوية التي أنتجت مجتمعاً أبوياً وتسلطية سياسية هي ذات العلاقات سواء كان التعبير عن الفكرة بالعامية أو بالفصحى أو بخليط بينهما.

قبل ظهور الإنترنت كانت هناك محاولات جادة لخلق علاقات لغوية جديدة من خلال ما عُرف في ثمانينات القرن الماضي بتيار الحداثة في الأدب متمثلةً في مجموعة «شعر» في بيروت تزعَّمها كتاب مثل أدونيس وسعيد عقل، وفي مصر صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل وآخرين، كانت محاولات جادة في خلق علاقات لغوية جديدة في الشعر خصوصاً ومن بعده في الرواية.

وكان في تلك الفترة العمل الأدبي أهم من كاتبه، أما الآن وفي عصر الميديا الصغيرة فصاحب العمل أهم من النص، فالقصة ليست ترويجاً إعلامياً للنص، بل للشخص وصورته وطريقة ملبسه على «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«سناب شات» إلى آخر هذه الأدوات الجديدة.

في النقلة من الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة أو القصيدة النثرية كانت هناك معايير صارمة لنشر النصوص، أما الآن فالكتابة على «فيسبوك» وغيره لا تخضع لأي معايير. كل ما هنالك أن يعلن صاحب الحساب أو الصفحة أنه شاعر ويضع صورته أو صورتها في أبهى حلة وأعلى درجات المكياج والفوتوشوب للوجه والشَّعر (ما ينبت في الرأس) وليس الشِّعر كجنس أدبي، ثم تنهال عليها أو عليه عبارات الثناء والإعجاب.

موت المعايير في الإعلام الجديد والاحتفال بشخص المؤلف هو عكس حركة الحداثة ودائرة الحداثة التي كان أساسها موت المؤلف، وأن النص هو ما يتصدر المشهد. الحداثة تقول بموت المؤلف بينما الإعلام الجديد كله عن المؤلف.

نرجسية الإعلام الجديد لا تجعل من النص نجماً وإنما النجم هو المؤلف اللاهث وراء عبارات الثناء والإعجاب. ليس مهماً أن تكتب نصاً يليق بالنشر على العامة بقدر ما يهم عدد متابعيك في حسابات الإعلام الجديد. هذه النرجسية لا تصنع وعياً جديداً أو لغة جديدة أو فكراً جديداً هي فقط تخلق زحاماً من النجوم الوهميين الذين لا يجدون تأكيداً لذواتهم إلا في العالم الافتراضي وعالم الصورة لا الكلمة.

إن الاحتفال بالإعلام الجديد في ظل غياب المعايير الحاكمة لما يُنشر على العامة هو واحدة من علامات التراجع والتخلف لا من علامات الجدة والحداثة.

المصدر: جرية الشرق الأوسط
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإعلام الجديد الإعلام الجديد



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 17:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تواجهك عراقيل لكن الحظ حليفك وتتخطاها بالصبر

GMT 14:43 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 14:01 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج السرطان الخميس 29-10-2020

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 10:54 2013 الثلاثاء ,26 آذار/ مارس

مصر: تصنيع 11 ألف حاسب لوحي لطلبة المدارس

GMT 20:46 2017 السبت ,28 كانون الثاني / يناير

فيلم بن أفليك "يعيش ليلًا" يتكبد خسائر ضخمة

GMT 08:31 2020 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر محسن يكشف كواليس التحضير لمسلسل "القاهرة"

GMT 08:18 2021 السبت ,27 شباط / فبراير

500 ألف طائر مهاجر زار تونس هذا الشتاء

GMT 15:15 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نصائح فعالة من خبراء الأبراج لمواليد "الجوزاء"

GMT 02:17 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات غرف طعام بأناقة الكلاسيك وجرأة المودرن

GMT 10:39 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

منى زكي تؤكد مشاركتها بموسم دراما رمضان 2022

GMT 22:27 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

مقتل أربعة من مسلحي حركة الشباب الإرهابية في غارة أمريكية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia