هل هُناك نوايا سعوديّة للتّقارب جدّيًّا مع إيران

هل هُناك نوايا سعوديّة للتّقارب جدّيًّا مع إيران؟

هل هُناك نوايا سعوديّة للتّقارب جدّيًّا مع إيران؟

 تونس اليوم -

هل هُناك نوايا سعوديّة للتّقارب جدّيًّا مع إيران

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

يشتكي مُعظم المسؤولون السعوديّون، وآخِرهم الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجيّة، من قِيام إيران بأنشطةٍ تُزعزِع الأمن والاستِقرار في المِنطقة، ابتداءً من لبنان، ومُرورًا بسورية، والعِراق، واليمن، وانتهاءً بالمملكة العربيّة السعوديّة نفسها، ويُقدّمون انفسهم وبلدهم على أنّهم “حُملان وديعة” مُنزّهة عن الأخطاء، وهذا في تقديرنا يُشكّل خللًا كبيرًا في سِياسات المملكة، تَعكِس هُروبًا من الاعتِراف بهذه الأخطاء كمُقدّمة ضروريّة للمُراجعة والإصلاح، واستِعادة دورهم ومكانة بلادهم كقوّة إقليميّة رئيسيّة في المِنطقة.
الأمير بن فرحان قال بالأمس في تصريحاتٍ لمحطّة الـ” سي إن إن” “إنّ هُناك فُرصة ليس للتّقارب مع إيران فقط، وإنّما لشَراكةٍ معها أيضًا، إذا أوقفت سُلوكها المُزعزِع للاستِقرار، وتُزوّد الإرهابيين بمَعدّات صُنع القنابل” في إشارةٍ إلى اليمن، ولكنّه ينسى في الوقت نفسه أنّ التدخّل العسكري الذي قادته بلاده فيها، أيّ اليمن، مُنذ سِت سنوات، وضخّ المِليارات وآلاف الأطنان من الأسلحة والمعدّات الثّقيلة لحركات مُسلّحة لزعزعة استِقرار سورية، ودعم الغزو الأمريكي للعِراق، واستِخدام الجامعة العربيّة لتوفير الغِطاء الشّرعي العربي لقصف حلف النّاتو لليبيا وتغيير النّظام فيها، كلّها عوامل أضعفت العمل العربيّ المُشترك، وخدمت الطّموحات الإيرانيّة في التدخّل في شُؤون المِنطقة وتحويلها إلى قوّةٍ إقليميّةٍ عُظمى.
***
إيران مِثل المملكة، أو أيّ دولة أُخرى، تسعى من أجل مصالحها، وتقوية نُفوذها وتوسيعه، وهذا طُموحٌ مشروع، ولكن ما يُميّزها عن غيرها، أنّها اعتمدت على قُدراتها الذاتيّة في إطار صناعة عسكريّة، وبناء دولة مُؤسّسات بِما مكّنها من حِماية نفسها، وتطوير قُدرات دفاعيّة عسكريّة مُتقدّمة جدًّا في المجالات كافّة، رُغم الحِصار الأمريكيّ الخانق، بينما أقدم العرب في المُقابل، وعلى رأسِهم المملكة، على تدمير قُدراتهم الدفاعيّة، والانخِراط في المشاريع الأمريكيّة لتدمير مراكز قوّتهم في العِراق وسورية وليبيا واليمن، والتخلّي عن ثوابتهم القوميّة وأبرزها قضيّة فِلسطين، وفتح أجوائهم وحُدودهم وأسواقهم لإسرائيل وبضائعها، والوقوف في خندقها في مُواجهة حركات المُقاومة، والسّقوط في خندق الطائفيّة.
فإذا كانت إيران مُتّهمةً ببَذر بُذور الطائفيّة في المِنطقة، فإنّ الطّرق الأقوى لمُواجهة هذا الخطر، ليس بالسّلاح نفسه، وإنّما بالسّلاح المُضاد له، أيّ “اللاطائفيُة” وإصلاح البين العربي وتعزيزه، وتعبئة الأمّة وقُدراتها وأرصدتها البشريّة والماليّة الضّخمة، لبِناء مشروع نهضة عربي في كُل المجالات، ولكن هذا لم يَحدُث، وما حدث هو العكس، أيّ الارتِماء في الحُضن الأمريكي، والآن الحُضن الإسرائيلي، وجاءت النّتيجة خسارة الهُويّة الإسلاميّة، وأصبحنا “مِثل الغُراب الذي قلّد الحسّون، فلم يُصبِح حسّونًا، ولم يبقَ غُرابًا”.
الأمير فيصل بن فرحان يعتقد في تصريحاته الأخيرة أنّ إيران تنتظر التّقارب السّعودي معها، أو حتّى الشّراكة على أحَرٍّ من الجمر، وهذا اعتِقادٌ خاطِئ تُثبِته التّطوّرات السياسيّة المُتسارعة في المِنطقة لصالحها لعدّة أسباب:
الأول: توقيعها مُعاهدة استراتيجيّة اقتصاديّة وأمنيّة وعسكريّة مع الصين لمُدّة 25 عامًا، سيكون عمودها الفقري استِثمار 450 مِليار دولار لبِناء البُنى التحتيّة الإيرانيّة، واستِيراد الصين مِليونيّ برميلٍ من النّفط الإيراني يوميًّا مُرشّحة للارتِفاع بشَكلٍ تدريجيّ.
الثاني: استِجداء الإدارة الأمريكيّة الحاليّة إيران للعودة إلى الاتّفاق النووي دُون أيّ شُروط مُسبقة بِما في ذلك انخِراط البلدين في تنازلاتٍ مُتبادلةٍ مُتزامنة، وإصرار إيران في المُقابل على رفعٍ كاملٍ وفوريٍّ للعُقوبات دُفعةً واحدة قبل أيّ حديث مباشر لأنّ الوضع الحالي يُناسبها وليس في عجلةٍ من أمْرِهَا.
الثالث: انخِراط إيران في حلف “وارسو” جديد يَضُم قوّتين عُظميين هُما الصين وروسيا، وثالثة نوويّة هي كوريا الشماليّة، ومَفتوحٌ لضم قِوى إقليميّة أُخرى مِثل فنزويلا والهند وباكستان وربّما تركيا ومِصر أيضًا، بينما تُواجِه إسرائيل حليفة بعض الدول الخليجيّة الأزَمات الداخليّة المُتفاقمة، والحِصار الصّاروخي على حافّة حرب أهليّة، وانقِسامات حادّة.
الرابع: استِثمار إيران في قضيّة العرب المركزيّة، وتسليحها وتمويلها أذرعًا عسكريّة مُقاومة عقائديّة إسلاميّة في العِراق واليمن ولبنان وقِطاع غزّة، بينما تستثمر السعوديّة وبعض حُلفائها في التّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي بشَكلٍ مُباشر، أو غير مُباشر، وبعد أن فقدت الكثير من تفوّقها، وقُدرتها على حسم الحُروب لصالحها بسُرعةٍ مثلما كان عليه الحال في الماضي، مُضافًا إلى ذلك أنّ سِلاح المال الخليجي يَفقِد سحره بشَكلٍ مُتسارع وربّما يضمحلّ نهائيًّا في السّنوات العشر المُقبلة على الأكثر.
قبل أقل من عشر سنوات كانت هُناك شراكة وتقارب سعودي- إيراني غير مسبوق خاصّةً في زمن الرّئيسين هاشمي رفسنجاني، وأحمدي نجاد، وكان الرّئيسيان المَذكوران يحظيان باستِقبالٍ حميمٍ جدًّا من نُظرائهم السّعوديين، ويتقدّمان على مُعظم، إن لم يَكُن كُل، الزّعماء العرب بِما فيهم مِصر وسورية والجزائر، في بروتوكولات الاستِقبال في القمم الإسلاميّة، ومِن المُفارقة أنّ هذا التّقارب تحوّل إلى عداءٍ بعد تولّي السيّد حسن روحاني الزّعيم الإصلاحي المُعتَدل، الحُكم في إيران، وأعلن لصحيفة “الشّرق الأوسط” السعوديّة أنّ أوّل دولة سيزورها هي السعوديّة، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستِفهام حول نهج مُؤسّسة صُنع السّياسات في المملكة.
***
إدارة باراك أوباما الديمقراطيّة خدعت السعوديّة وطعنتها في الظّهر، عندما تفاوضت من خلف ظهرها مع إيران لمُدّة ستّة أشهر في مسقط، وتوصّلت إلى الاتّفاق النّووي عام 2015، بينما كانت تبيعها صفقات أسلحة بعشَرات المِليارات من الدّولارات استِعدادًا لشنّ حربٍ ضدّها، ومن غير المُستَبعد أنْ يتكرّر السّيناريو نفسه مع تهافت إدارة بايدن الديمقراطيّة للعودة إلى الاتّفاق نفسه بأيّ ثمن، والأكثر من ذلك وقف بيع الأسلحة كخطوة أولى لتغيير موازين القوّة في اليمن، ومِن المُفارقة أنّ التّوصيفات السعوديّة للإيرانيين كمجوس وعبَدَة النّار مُستمرّة بمُوازاة إطلاق حرب شرسة للجُيوش الإلكترونيّة عليهم بينما يأتي ردّ حُلفائهم في اليمن بالصّواريخ الباليستيّة والطّيران المُسيّر المَلغوم باتّجاه مُنشآت الطّاقة في العُمُق السّعودي… واللُه أعلم.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هُناك نوايا سعوديّة للتّقارب جدّيًّا مع إيران هل هُناك نوايا سعوديّة للتّقارب جدّيًّا مع إيران



GMT 07:40 2021 الثلاثاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لا 99 ولا 100

GMT 10:52 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الصين جزء من المشكلة لا من الحلّ

GMT 10:49 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

حاكم العراق يقلِّب جمرتين

GMT 10:47 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

بيان تعليق عضوية

GMT 09:34 2021 السبت ,09 تشرين الأول / أكتوبر

السادة المبعوثون

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 16:44 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 02:39 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

ابنة بايدن تكشف عن مخاوفها بشأن سلامة أبيها عشية تنصيبه

GMT 07:34 2017 الإثنين ,04 أيلول / سبتمبر

حلقات مفقودة في خطاب حسن نصرالله

GMT 17:25 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

"سوني" اليابانية تعلن تأجيل إطلاق بلاى ستيشن

GMT 12:53 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع ريال مدريد كلمة السر في تراجع الملكي هذا الموسم

GMT 00:25 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

"غوغل" تقدم توضيحات بعد "اختفاء تشرتشل"

GMT 18:53 2021 السبت ,03 تموز / يوليو

63 رياضيا تونسيا يشاركون في أولمبياد طوكيو

GMT 12:46 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس المؤلِّف

GMT 12:37 2021 الثلاثاء ,27 إبريل / نيسان

5 مميزات تجب معرفتها عن التحديث الجديد لنظام «iOS»

GMT 09:26 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

جمال الجربوعي يؤكد 347 موقوفا من المطلوبين وسط المحتجين

GMT 00:01 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

تعرف على تأثير تعبئة خزان الوقود بالكامل على السيارة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia