نَكتُب لكُم عن مقتل “شهيد الكرامة” عويس الراوي ونُنَبِّه إلى مخاطر “التّعتيم”

نَكتُب لكُم عن مقتل “شهيد الكرامة” عويس الراوي ونُنَبِّه إلى مخاطر “التّعتيم”

نَكتُب لكُم عن مقتل “شهيد الكرامة” عويس الراوي ونُنَبِّه إلى مخاطر “التّعتيم”

 تونس اليوم -

نَكتُب لكُم عن مقتل “شهيد الكرامة” عويس الراوي ونُنَبِّه إلى مخاطر “التّعتيم”

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

في ظِل حالة الاستِقطاب السياسيّ التي تجتاح المِنطقة، وما يترتّب عليها من تدخّلاتٍ إقليميّةٍ ودوليّة، باتت الكِتابة عن الأوضاع فيها، ومِصر على سبيل المِثال، مَهمّةً شاقّةً محفوفةً بمِخاطِر سُوء الفهم، والتّصنيفات الظّالمة الجاهِزة بالانتماء إلى هذا الخَندقِ أو ذاك.
مِصر الدّولة الأبرز، والأهم، في الأعمدة الثّلاثة التي قامَ عليها أمن المِنطقة واستِقرارها وتاريخها، وثورات التصدّي للمشاريع الغربيّة الاستِعماريّة التي تستهدفها وأبرزها المشروع الاستِيطاني العُنصري التوسّعي الإسرائيلي، هي الوحيدة التي يُمكن أن نقول أنّها بقيت مُتماسكة، واستعصت على كُل المُؤامرات التي تُريد تفتيتها، وضرب وحدتها الوطنيّة، وتِكرار “السّيناريوهات” التدميريّة الليبيّة والسوريّة واليمنيّة والعِراقيّة على أرضها، ولكن هذا لا يعني الصّمت على بعض الأخطاء التي إذا جرى السّماح لها بأن تتطوّر، وتَستفحِل، ستُؤدّي بطريقةٍ أو بأُخرى، إلى توفير الأرض الخَصبة لتِكرار هذه السّيناريوهات المُرعبة.
***
يوم الأربعاء الماضي أغارت وحدة لقوّات الأمن على منزلٍ في مِنطقة الأقصر في جنوب مِصر لاعتِقال أحد الشبّان بتُهمة المُشاركة في مُظاهراتٍ احتجاجيّة انطلقت على نطاقٍ واسعٍ في بعض القُرى والأحياء الفقيرة، بسبب الظّروف المعيشيّة الصّعبة، وارتِفاع الأسعار، وهدم بعض المنازل العشوائيّة فما كانَ من والده، وشقيقه إلا التدخّل والاستِفسار عن أسباب الاعتِقال، ويُقال أنّهما حاوَلا منعه، فردّ أحد الضبّاط بالاعتِداء “لفظيًّا” و”جسديًّا” على الأب المُسِن، وصفعه على وجهه، الأمر الذي أثار غضب الابن عويس الراوي، ودفعه على ردّ الصّفعة بمِثلها على وجه الضّابط دِفاعًا عن “كبير العائلة” فبادَر الأخير بإطلاقِ النّار عليه، وقتَله في الحال.
هذه الواقعة تُذكّرنا بجريمة مقتل الشّاب الأمريكي الأسود جورج فلويد خنقًا تحت رُكبة ضابط عُنصري أبيض في الولايات المتحدة الأمريكيّة، وهي الجريمة العُنصريّة التي هزّت أمريكا، ودفَعت بالسّلطات إلى المُسارعة باعتِقال الضّابط المُجرم وتقديمه إلى المُحاكمة بتُهمة القتل، وقد تعاطف عشَرات الملايين مِن الأمريكيين مِن كُل الألوان مع الشّاب القتيل، والنّزول إلى الشّوارع في مُظاهراتٍ احتجاجيّةٍ غاضبةٍ شملت مُعظم البِلاد، وبعضها ما زالَ مُستمِرًّا حتّى الآن.
حتّى كِتابة هذه السّطور لم يتناول الإعلام الرسمي المِصري هذه الواقعة، ولم يُصدِر أيّ بيان رسمي من السّلطات الأمنيّة لتوضيح ما جرى، أو الإعلان عن بَدء التّحقيق قي الجريمة، واعتِقال الضّابط الذي أطلق النّار على الضحيّة، تَعتيمٌ كامِلٌ.
الجميع يعلم أنّ صفع كبير العائلة وإهانته أمام أفراد أُسرته أو قريبه فِعلٌ خطيرٌ جدًّا، خاصّةً في مِنطقة الصّعيد المِصريّة حيث يرتفع منسوب الكرامة، وعزّة النّفس إلى ذروته، ولهذا كان يجب التّعاطي مع هذه الحادثة بشَكلٍ سريعٍ مِثل اعتِقال الضّابط لامتِصاص تداعياتها، وتطويق آثارها، مثلما كان الحال في حوادث أو جرائم مُشابهة، ولكن هذا لم يَحدُث ولا نَعرِف الأسباب، غير الاستِهتار واللّامُبالاة.
التّعتيم والتّجاهل هذه الأيّام وفي ظِل الهواتف الذكيّة، ووسائل التّواصل الاجتماعي المُتناسِلة، قد يُعطِي نتائج عكسيّة في بلدٍ يعيش حالةً من الاحتِقان الشعبيّ، واستِهداف أمنه واستِقراره من أكثر من جهةٍ عربيّةٍ ودوليّة.
الدّولة، أيّ دولة، يجب أن تحتل مسألة الحِفاظ على كرامة شعبها قمّة أولويّاتها، فالشّعوب، والمِصري منها خاصّةً، يُمكن أن يتحمّل الجُوع والفاقة، ولكنّه لا يُمكن أن يتحمّل مُطلقًا إهانة كرامته وجَرحها، ولا نَعتقِد أن هذه الحقيقة تغيب عن السّلطة الحاكمة وعُقلائها.
نُدرك جيّدًا أن هذه الجريمة تظَل صغيرةً بالمُقارنة مع التحدّيات والأخطار الكُبرى التي تُواجه الدولة المِصريّة هذه الأيّام وأبرزها تهديد أمنها القومي على الجبهة الغربيّة (ليبيا)، وأمنها المائي الزّاحف من جنوبها (سد النهضة)، علاوةً على أزمةٍ اقتصاديّةٍ حادّة زادَ انتِشار فيروس الكورونا من تفاقمها، ولكن “كِبار الحرائق يأتِي مِن أصغر الشّرر”، واغتِيال وليّ العهد النّمساوي أدّى إلى اشتِعال فتيل الحرب العالميّة الأُولى.
***
ربّما يُجادل البعض بأنّ سياسة القبضة الحديديّة المُتّبعة في مِصر هي التي أدّت إلى إفشال كُل المُخطّطات لزعزعة أمنها واستِقرارها، وعدم تحويلها إلى سورية، أو ليبيا أُخرى، ولكن ربّما يُفيد التّذكير أنّ بعض الأخطاء والمُمارسات في الدّولتين ساهَمت في توفير الذّرائع لإنجاح مُخطّطات التّفتيت والقتل والدّمار المُعدّة مُسبقًا.
السيّد حمدين صباحي الشخصيّة القِياديّة النّاصريّة الذي خاض الانتخابات الرئاسيّة قبل عدّة سنوات، ووصل إلى الدّور النّهائي، وأيّد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمؤسّسة العسكريّة طفَح كيله فيما يبدو، وأخرجته جريمة الأقصر عن صَمتِه، واستخدم توصيفًا انتشر مِثل النّار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي قال فيه “سُلطةٌ مُصابةٌ بضُمور العقل وتضخّم العضَلات الأمنيّة”، ونحمد الله أنّه لم يُعتَقل حتّى الآن.
عندما نَكتُب عن مِصر فإنّنا، والكثيرون مِثلنا، ينطلقون من قناعةٍ راسخةٍ بأنّ مُعظم جوانب حالة الانهِيار التي تعيشها المِنطقة العربيّة وشُعوبها تعود بالدّرجة الأُولى إلى غِيابها عن أداء دورها القِيادي، ونرى أنّ لِزامًا علينا، ومِن مُنطلق الحِرص، التّنبيه إلى بعضِ الأخطاء، والتّجاوزات، وضرورة إجراء مُراجعات سياسيّة وأمنيّة تُعمّق المُصالحة الوطنيّة، وتُكافِئ الشّعب المِصري على صبره وتحمّله، والتِفافه حول دولته، وبِما يحفظ كرامته وعزّة نفسه، ويُحقِّق الرّخاء الذي يستحقّه، وهذا لا يعني أن نكون أكثر “مِصريّةً” من أشقائنا المِصريين، نحن الذين نُدين لمِصر بتعليمنا، وخوض أربع حُروب، وتقديم آلاف الشّهداء انتِصارًا للقضايا العربيّة وأبرزها قضيّة فِلسطين.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نَكتُب لكُم عن مقتل “شهيد الكرامة” عويس الراوي ونُنَبِّه إلى مخاطر “التّعتيم” نَكتُب لكُم عن مقتل “شهيد الكرامة” عويس الراوي ونُنَبِّه إلى مخاطر “التّعتيم”



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 19:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:46 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الخميس 29-10-2020

GMT 11:38 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

أجمل ألوان طلاء الأظافر لإطلالته جذابة في ليلة الزفاف.

GMT 14:49 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

rola Edge S" يصل مع "5G" وكاميرا ثلاثية

GMT 12:52 2021 الخميس ,02 كانون الأول / ديسمبر

عبير موسي تقاضي رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي

GMT 14:02 2021 الجمعة ,16 إبريل / نيسان

النجم الساحلي يطير إلى السينغال في رحلة خاصة

GMT 15:25 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يطرح أحدث أغانيه "يالا بينا"

GMT 11:40 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

تشيلسي يقيل لامبارد ويعين منبوذ سان جيرمان
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia