مفكرة القرية أعزلان

مفكرة القرية: أعزلان

مفكرة القرية: أعزلان

 تونس اليوم -

مفكرة القرية أعزلان

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

قبل الدخول إلى منزل القرية، أقوم بجولة من حوله. أتأمل وديان الصنوبر التي يطل عليها. وسلسلة التلال البعيدة التي تطل عليه. ومن ثم، حوله مباشرة، مسكبة الورد الجوري البرّي وورود أخرى. هذا اليوم الماطر وقفت على حافة الحديقة الترابية المنحدرة، ففوجئت بمنظر حزين. في أسفل الحافة طائر بوم رمادي يقف ساكناً لا يتحرك، وقد فقد الكثير من ريشه عند الصدر. وقفت أتطلع به، فتطلع بي بأسى، لا يعرف إن كنت سوف أطرده أو أساعده. ووقفت أتطلع به لا أدري ماذا يجب أن أفعل. أنا أيضاً أعزل وجاهل في حالات الطوارئ. ولم يخطر لي مرة أن البوم تظهر في النهار وعلى مثل هذا العَجز. نحن نعرف أنه طائر ليلي لا يُرى، ولا يكفّ عن الشكوى، ولا أعرف لماذا سمَّت العرب صوته «الهند» وأعطته اسم السيف، ربما بسبب حدة منقاره الجارح، لكنّ هذا المسكين أمامي لا سيف ولا حدّة، مستسلم لا يعرف لماذا. أو لعله يعرف ويزداد استسلاماً وسكوناً.
تجمّدنا، هو وأنا. وأفظع شعور يتملك الطير أنه لم يعد قادراً على الطيران. فما إن يفقد أمه صغيراً، حتى يتعلم أنه لم يعد له سوى جناحيه والشجر. وعندما يكون له جناحاه يشعر أن كل البراري والأشجار ملك له، لكن من دون جناحيه ليس قادراً على أن يصعد هذا المنحدر الصغير. أو لعله لا يريد. لأنه إذا ما اعتلى الحافة الترابية فسوف يصبح مشرعاً للبرد وسوف ينهمر فوقه المزيد من الأمطار. وسوف تهطل في كل مكان خيراً وخصباً، إلا فوق صدره العاري ووجهه ذي التكاوين الكئيبة والعينين الكئيبتين.
فكرت –وكان هو يفكر معي- أن أنقله إلى داخل البيت. ولكن لعنايةٍ مَن أتركه بعد أن أعود إلى بيروت في المساء؟ مَن سيطعمه ومَن سيفتح له الباب عندما يصبح قادراً على الطيران؟ وشعرت بحنق غامض عليه، لماذا وضعت نفسك ووضعتني في هذا المأزق؟ لماذا من كل بيوت القرية لم تنتقِ إلا الأقل تدبيراً في شؤون الطيور؟ هل كان ينقصني المزيد من عُقد الذنب والشعور بغابات العلقم التي أصبحت تنمو سريعاً في كل هذه الجمهورية؟
دخلت إلى المطبخ وعدتُ ومعي في المرة الأولى والثانية والثالثة، ما اعتقدت أنها مؤونة معقولة. خبز وقمح، وفتحت علبة بولابيف، وضعتها في صحن مفتوح، ومعها كل ما اعتقدت أنه قد يتناوله. بعدها فقط دخلت إلى البيت، وانصرفت إلى رتابة الحياة في الجبل أو المدينة أو الطائرة المسافرة إلى نيويورك: قراءة وكتابة ومتعة الهدوء المطلق. وقبيل الغروب، تهيأت للعودة، ثم تذكرت أن أتفقد البوم. كان لا يزال هناك، شاخصاً وحزيناً، لم يمدَّ منقاره إلى شيء.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية أعزلان مفكرة القرية أعزلان



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 17:36 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

الهلال السعودي يخوض خمس مواجهات تجريبية

GMT 13:46 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الخميس 29-10-2020

GMT 06:35 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"الغذاء والدواء" تضبط 250 تنكة زيت زيتون مغشوش في الأردن

GMT 10:25 2021 الأحد ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صيحات فزع بسبب أزمة الأدوية المفقودة في تونس

GMT 04:45 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح

GMT 01:32 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير باستا اربيتا

GMT 16:41 2021 الثلاثاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

ليفاندوفسكي يخرج عن صمته و"يهاجم" ميسي بسبب الكرة الذهبية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia