مفكرة القرية بلوط وكستناء

مفكرة القرية: بلوط وكستناء

مفكرة القرية: بلوط وكستناء

 تونس اليوم -

مفكرة القرية بلوط وكستناء

سمير عطا الله
سمير عطا الله

تتعلم خصائص القرية من أحاديث القرويين. كلما اجتمعوا دار بينهم حوار حول الأشياء التي تملأ عالمهم، ويعبرون بها فصول السنة وفصول الحياة. وقد تتجدد الأحاديث نفسها في الساحة العام المقبل. وقد يقل عدد المتحدثين، فالأعمار هي أيضاً تعبر الساحة الصغيرة مثل الفصول. أولاد صغار يلعبون، وشباب يتصنعون أنهم لا يكترثون للصبايا، وشيوخ يستعيدون حكايات الطفولة والشباب. لكنها لا تعود إلا حكاية.
الدنيا تمطر خارجاً... ترش الأبواب، وترشق زجاج النوافذ، وتتحول على الأرض إلى أنهار صغيرة تشق طريقها سريعة، راوية، غير متروية. والريح تصفر في الصنوبر، وتتحول إلى هدير رتيب وغامض.
وها هي أحاديث القرويين القديمة تنتصب أمامي مثل أمثولة لا تنسى. كانوا يقولون إن شجر البلوط والسنديان من أم واحدة وأب آخر. أوراق السنديان تظل خضراء طوال الشتاء، وورق البلوط يجف ويصفر وتسقطه الريح. كم يبدو ذلك واضحاً الآن: أشجار عارية وإلى جانبها أشجار مورقة، كلتاهما علامة القلّة. شجر ليس في حاجة إلى شيء أو إلى أحد. والبلوط من عائلة الكستناء، لكنه من مرتبة المنبوذين في الهند. كأنه ليس هناك. لكن القرى الشحيحة الموارد، لا تترك شيئاً بلا نفع. البعض يطحنه طحيناً ولو مراً، والبعض يضحنه قهوة ولو سائلة.
ذات يوم ذهبت إلى فلورنسا. ولماذا يذهب المرء إلى فلورنسا؟ يذهب المرء إلى فلورنسا لمشاهدة متحف «أوفيزي» من الداخل. وكي يتجول فيها بوصفها من أجمل المتاحف المفتوحة في العالم. أجمل ما تشاهدها عندما تتأملها من «بيتزالي ميكل أنجلو». لكن وأنا هناك رأيتني تحت شجرة مورفة مثل مظلة خضراء، وإلى جانبها أخرى، ثم صف طويل نزولاً نزولاً. واستوقفت إيطالياً أسأله ما هذه الأشجار؟ قال في غنائية الاعتزاز: كستناء.
أول شيء فعلته بعد العودة هو زرع شجر كستناء إلى جانب البلوط والسنديان. وقد كبر الآن وصار له ثمر. وأنا أيضاً كبرت ولم أعد أتمنى لو أن البلوط كستناء مثل الذي نسمع عنه ولا نعرفه.
هل تدري ماذا؟ تثمر أشجار الكستناء كل عام وتتساقط ولا يقطفها أحد. فنحن إما مسافرون وإما نستسهل شراء الكستناء من الدكان، مشوية، مقشرة. من خلف الزجاج والمطر أتأمل أبناء هذه العائلة الواحدة: سنديان وبلوط وكستناء. وأتأمل في البعيد ساحة الضيعة. إنها مضاءة بالكهرباء الآن... وخالية.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية بلوط وكستناء مفكرة القرية بلوط وكستناء



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 18:08 2021 الثلاثاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

فولكس فاغن تكشف عن Jetta الاقتصادية الجديدة كليّا

GMT 10:41 2019 الجمعة ,15 آذار/ مارس

مشاهير مواليد برج الحوت من الرجال والنساء

GMT 12:30 2016 الثلاثاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل المشروبات الساخنة للمرأة الحامل

GMT 10:04 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل توضح تونس تحقق 70% مناعة جماعية ضد فيروس كورونا

GMT 20:15 2021 الإثنين ,06 كانون الأول / ديسمبر

بي إم دبليو تطلق نموذجها التجريبي من سيارة XM

GMT 19:21 2018 الثلاثاء ,04 أيلول / سبتمبر

مزيكا تطرح أغنية"ماشاء الله"لـ"حاتم فهمي" باليوتيوب

GMT 06:50 2014 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة القصر

GMT 17:34 2021 السبت ,23 تشرين الأول / أكتوبر

القبض على 4 عناصر إجرامية خطيرة في مدينة القصرين

GMT 05:32 2014 الإثنين ,04 آب / أغسطس

أفول دور مصر.. دعاية أم علم؟

GMT 07:22 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

محمد بن راشد.. عطاء القلب الكبير

GMT 14:46 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

لاعب مصارعة أميركي يطلب اللعب باسم مصر في الأولمبياد
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia