مفكرة القرية الناي والغنمات

مفكرة القرية: الناي والغنمات

مفكرة القرية: الناي والغنمات

 تونس اليوم -

مفكرة القرية الناي والغنمات

سمير عطا الله
سمير عطا الله

إنه المساء، خطوطه تتسارع وغروبه عاجل. وهو موعد العودة من الأمكنة إلى البيوت. «يأوون»، يقال في القرى، تقديراً لما في الإيواء من دفء وهناء وراحة. أقدم علامات العودة هو الراعي الكبير، الذي يتكرر مع الأجيال. ومع حركة الغدو السريع والعودة الهادئة. هو وفرسه المتعبة واصفرار بياضها الملوح بالشمس والأمطار.
يناديها «وفا»، تقديراً لأتعابها. وفي الصباح تكون وفا، مثله، ممتلئة حيوية وتوثباً. وتأبى بعنقها الطويل بحركات تعبر عن رغبتها في الانطلاق. ويهامسها مهدئاً. ويستكمل عدة الرحلة اليومية إلى الحقول. خبز وجبن وناي ورثه عن والده ولا يزال يعزف عليه أناشيد الغنم وحنائن المساء.
في المساء، إذ يعودون، يكونون جميعاً متعبين. وفا وهو والناي والغنمات، الصغرى والوسطى والبكر، مثل عاشقات ابن أبي ربيعة. واليوم الجميع يسرعون الخطى. أبلغهم البرد أن اليوم أول أيام الشتاء، الذي تأخر على جميع مواعيده هذا العام. بدأت المسألة رذاذاً خفيفاً لكن في صوت حاد وغاضب. إذن، ها هو أخيراً أتى. وها كل شيء يتلبد، وكل غيمة سوداء تهمي والأديم صار حلبة سباق وتصادم بين ناقلات المطر.
وتكاد السماء تبدو قريبة وهي تثقل بأحمالها. وفجأة بعد غياب طويل، يعوي ابن آوى من مكان قريب، خائفاً من كثرة الظلام وقلة المؤونة وطول الشتاء على الفقراء أمثاله. وقد بلغته بالتتابع أنباء عن جوع ضرب المدينة ويتصل إلى القرى ولا يتورع.
إنه المساء. الجميع يهرعون. والبيوت تضاء واحداً بعد الآخر. والذين يتأخرون هم الأقل حيلة ووفرة. كل شيء في القرى مؤونة لها حسابها. كل فصل يعد لفصل آخر، الزيوت والحطب والزبيب والجوز. والكلمة الفصل للفصول. واليوم بدأ فصل الداخل. نهاره قصير وليله مثل سياسة لبنان. والناس تتحصن خلف موقد صغير وحكايات قديمة وتسلي الليالي بالليالي وتبدد الملل بالأمل.
أكثر ما يؤسفنا في نهايات الفصول الحرة وبدايات الضيق منها، هو الطيور. مسكينة هي الطيور. أصبح ظهورها قليلاً وحركتها بطيئة، وثمة خوف جلي في رفرفة أجنحتها. أي ورق سوف يكفيها غطاء بعد اليوم، وأين ستعثر في هذا الجدب الأصفر على حبة رمان، أو حبة عنب، الأمطار قد غسلت كل بقايا القمح عن البيادر.
«مهور» يقول القريون عن الشتاء. من وهر. أو مهوار. أو خوف. أو أن «الدنيا موهرة»، أي أن عزلتها تبعث الخوف.
لكنها فترة قصيرة وتصطلح الأشياء، وتتسق العناصر، وتشرق الشمس بلا حساب، وكلما ذهب سليم للتبضع، اشترى لنفسه، ولوفا، كميات متساوية من الفاصولياء يطعمها بيده. يعاتبها. يعتذر لها طويلاً عن خطأ حدث خلال النهار. ثم يعزف لنفسه شيئاً من زهور الشباب، ويغفو.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية الناي والغنمات مفكرة القرية الناي والغنمات



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 17:36 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

الهلال السعودي يخوض خمس مواجهات تجريبية

GMT 13:46 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الخميس 29-10-2020

GMT 06:35 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"الغذاء والدواء" تضبط 250 تنكة زيت زيتون مغشوش في الأردن

GMT 10:25 2021 الأحد ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صيحات فزع بسبب أزمة الأدوية المفقودة في تونس

GMT 04:45 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

ارفعوا أياديكم عن محمد صلاح

GMT 01:32 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير باستا اربيتا

GMT 16:41 2021 الثلاثاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

ليفاندوفسكي يخرج عن صمته و"يهاجم" ميسي بسبب الكرة الذهبية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia