تذكرة وحقيبة سفر 2

تذكرة.. وحقيبة سفر (2)

تذكرة.. وحقيبة سفر (2)

 تونس اليوم -

تذكرة وحقيبة سفر 2

ناصر الظاهري
بقلم : ناصر الظاهري

من الأشياء التي كانت تغضب السيدة «ماكلين»، وكانت تستغرب منها حين تعود من عملها، أنني أستحم، وأغسل شعري يومياً، حاولت أن تقنعني أن هذا غير صحي لا للجسد ولا للشعر، ثم إنها غير ملزمة بتنظيف «البانيو» كل يوم، كانوا يطلبون مني الحضور قبل عتمة الليل، لأن العشاء عندهم مقدس، وفي ساعة معينة، ولأنني كائن ليلي لم أتناول معهم طعام العشاء إلا مرتين رغم متعة الحديث وتشعبه معهم، والذي كنت فيه مجيباً، وهم السائلون دائماً عن الشرق والعرب والصحراء والبدو والجمل والمرأة والحجاب وتعدد الزوجات، وإن كان ثَمّ نفط في بيتنا، ففي عمري الصغير ذاك كنت مشحوناً بثقافة مبكرة وموسوعية بعض الشيء، وكانت مكتبتهم بها الكثير من الأعمال الأدبية العربية المترجمة، فعندهم تعرفت على «عمر الخيام» ورباعياته. ما كان يضايقني كثيراً من السيد «ديفيد» تدخينه الغليون ذا الرائحة العطنة، وذلك البلغم الذي أصحو على استخراجه يومياً من رئتيه وأحشائه، وتلك الفانيلة الصوفية القرمزية التي يرتديها كل يوم، وكنت باستطاعتي أن أعد تفتل صوفها الإنجليزي من كثرة الاستعمال، وتلك اللامبالاة من المرأة التي كانت تعتقد أنني أعرف كل شيء، فمدرستي عليّ الذهاب لها وحدي من أول يوم، و«الأندر كراوند» عليّ التعود على استعماله وفهمه من شرحها السريع بإنجليزية تشبه لغة مدرسات الصفوف المتوسطة في الريف الإنجليزي، وأن ملابسي عليّ غسلها وحدي في الغسالات العامة، والتي أراها لأول مرة في حياتي، وعدم اصطحاب ضيوف إلى غرفتي، والفطور بانتظام، وفي الوقت المحدد، وعدم استهلاك الكثير من الماء، وإذا كنت أريد التأخر، وعدم تناول العشاء عليّ إخبارها قبل ثلاثة أيام، وإن جئت متأخراً فعليّ أن أمشي على أطراف أصابعي، وغيرها من التعاليم والتي كانت تعتقد أنها تساوي الجنيهات العشرين التي أدفعها لها مطلع كل أسبوع.
ما كنت أشكو منه وخلال الأيام الأولى أنني لم أجد السكر على الطاولة، وكنت أخجل أن أسأل عنه، لقد عبثت بمطبخها بحثاً عن السكر فلم أجده، وظللت أتزعم ذلك الشاي الإنجليزي من دون سكر، أنا الذي كنت أستمتع بالحلاوة الزائدة، ولما طفح بي الكيل وعجزت خيلي من التفتيش في المطبخ، سألتها بصوت خافت: لماذا لا تستعملون السكر مع الشاي؟ فردت باستغراب، ولكننا نستعمله يومياً، وها هو أمامك، فجالت عيناي بسرعة على موجودات الطاولة فلم أره، فأشارت إلى قطع بنية اللون، فخجلت أن أقول لها إن سكركم غير عن سكر العرب، تلك القطع البنية أول مرة أراها في حياتي، سكر غير أبيض! يا للهول! لكنني فرحت كثيراً فقد كان الشاي بعد تلك المحادثة طيباً، وكما كنت أشتهيه دائماً، لكنها كانت حياة صعبة لطائر الليل الذي يعشق نهار المسافات!
 المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 2 تذكرة وحقيبة سفر 2



GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 12:41 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

نحن وفنزويلا

GMT 12:39 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

رحلة لمعرض الثقافة

GMT 12:37 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

ذكرى 25 يناير

GMT 12:35 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

فى الصراع الأمريكى - الإيرانى: حزب الله فى فنزويلا!

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 00:01 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

الرجاء البيضاوي يتعثر أمام الزمالك المصري في المغرب

GMT 12:40 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 21:12 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

فساتين صيف تزيد من بهجة إطلالتك من "ريزورت 2020"

GMT 10:42 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

أسعد يُشيد بإمكانات مصر في مجال التكنولوجيا

GMT 04:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

منتجع "جبل نوح" يوفر تجربة سياحية فريدة من نوعها

GMT 04:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السلطاني يحتفل بتخريج دورتي الضباط

GMT 05:20 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

بين عهد التميمي وحمزة الخطيب

GMT 09:32 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

تعرف علي أطول الشلالات في العالم

GMT 16:44 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

الإعلامي أحمد خيري ينضم لفريق عمل قناة "Ten"

GMT 16:11 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

عودة ميسي ووصول لاعبو البارسا لمواجهة رايو فاليكانو الليلة

GMT 10:47 2021 الخميس ,25 شباط / فبراير

زيادة أماكن التزلج في كندا بسبب كورونا

GMT 12:18 2019 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

آية الله ولعبة «القط والفأر»
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia