مشروع قومي لرفع المعاناة

مشروع قومي لرفع المعاناة

مشروع قومي لرفع المعاناة

 تونس اليوم -

مشروع قومي لرفع المعاناة

بقلم : محمد صلاح

مصر بلد كبير تجاوز عدد سكانه المئة مليون، يعانون ازدحاماً في ربوعه، إذ يعيشون على أقل من عشرة في المئة من مساحته، وتسببت الزيادة السكانية الرهيبة على مدى عقود في تعقيد أزمات ومشاكل يمكن أن تمر بمجتمعات ودول أخرى وتُحل من دون جهود كبيرة أو موازنات ضخمة، لكنها في مصر تتعقد أكثر، حتى أن بعضها يتحول واقعاً يعيشه الناس، ويتعاملون معه وكأنه من مفردات الحياة. طبيعي أن يغضب الناس في مصر كلما أقدمت الحكومة على رفع أسعار سلعة أو بدل خدمة، وأن يجتهدوا في طرح بدائل يعتقدون بأن تطبيقها يخفف الضغوط على الموازنة العامة للدولة، وفي الوقت نفسه لا يضع أعباء كل فترة على المواطنين. ومنطقي أن يشرح الحكم حقيقة الأوضاع وخطورة التباطؤ، وتأكيد أن التأخر أو التلكؤ في الإصلاح يهدد تماسك الدولة، بل وبقاءها، ومناشدة المواطنين الصبر وشكرهم على صمودهم وتعاونهم وحرصهم على بلدهم. ومنذ تولى عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم قبل أكثر من أربع سنوات وهو يتبنى خطة طموحة لإعادة تأهيل البنية التحتية في البلاد، وكذلك إقامة مشاريع قومية كبرى لتحديث الدولة وجذب الاستثمارات وتغيير أنماط الحياة وتطوير أساليبها. وكل من يعيش في مصر، باستثناء «الإخوان» طبعاً، يشعر بمدى التحسن الكبير في مستوى الخدمات والطرق والبنية الأساسية، وغياب أزمات ظلت تمثل معضلات للمواطنين، كاختفاء الخبز أو أنابيب الغاز أو ندرة سلع ضرورية من الأسواق، وبمرور الوقت ستتغير ملامح الحياة في مصر بعد الانتهاء من مشاريع عملاقة في غالبية المحافظات.

لكن معاناة المواطن المصري لا تقف فقط عند مسألة الأسعار أو انتظار فوائد المشاريع الضخمة، وإنما تتحول ضنكاً كلما وجد نفسه مضطراً للتعامل مع الجهات الإدارية الحكومية لإنهاء إجراء فرضته الظروف عليه أياً كانت المحافظة أو المدينة التي يقيم فيها أو نوع المعاملة التي يسعى إلى إنهائها لا فرق!. هنا دعكَ من الآلة الإعلامية الإخوانية أو المنصات التي تنفق عليها قطر أو القنوات التي تُبث من تركيا، وتنشر الإحباط وتبث اليأس بين الناس وتكذب وتفبرك وتحول الأفراح مآتم والنجاح فشلاً، فـ «الإخوان» وكل الجهات التي تدعمهم، يسعون إلى هدم الدولة المصرية على من فيها وليس علاج الأخطاء أو تداركها، وهدفهم دائماً الانتقام من الشعب المصري الذي ثار على حكم الجماعة وأطاح أحلامها في البقاء طويلاً على رأس السلطة، والانطلاق من مصر لحكم بقية الدول العربية.


لا ينتظر المواطن المصري خفضاً في أسعار أي سلعة، فهو يدرك أن سعر السلعة الذي يرتفع لن يعود إلى الانخفاض، لكنه يتطلع إلى تطوير الخدمات وتسهيل الحصول عليها وتفادي «البهدلة» والمعاناة كلما تردد على مصلحة حكومية أو إدارة محلية. وإذا كانت الدولة ترصد بلايين الجنيهات لإنهاء مشاريع ستعود، بالتأكيد، بالفائدة على المواطن في المستقبل، فإن الغريب أن التردي في مستوى الخدمات مازال على حاله على رغم أهمية الأمر وإمكان طرح حلول بقليل من النفقات وكثير من الانضباط وإلزام الموظفين الحكوميين بالقانون وحُسن التعامل مع المترددين على هذه المصلحة الحكومية أو تلك.

تعاني مصر بكل وضوح تردياً رهيباً في مستوى الأداء الحكومي، خصوصاً في القطاعات ذات العلاقة بالتعامل المباشر مع المواطنين الذين لا يعانون فقط روتيناً وإجراءات معقدة، وإنما أيضاً تعذيباً في الحصول على الأختام والأوراق الرسمية قد يصل إلى حد التعامل المهين! قبل نحو أربعة عقود، أطلق الرئيس الراحل أنور السادات ما سماه «الثورة الإدارية» لكنها ظلت مجرد شعار لا يطبق، بل تحولت مجالاً للسخرية من مواطنين لا يجدون في كل مصلحة حكومية إلا تعقيداً وقلة حيلة. إذا اضطر مواطن مصري لتسجيل أو بيع عقار، أو تجديد بطاقة الهوية أو نيل حقه في مكافأة التقاعد، أو التعامل مع التأمينات الاجتماعية أو الشهر العقاري، أو تجديد رخصة قيادة سيارة أو الحصول على شهادة وفاة، أو حتى ذهب ليسدد قيمة الضريبة العقارية، فإن عليه أن يمر برحلة شاقة وظروف قاسية تفوق قسوة الأسعار المرتفعة والبنية التحتية المتهالكة. يحتاج السيسي إلى مشروع قومي لرفع المعاناة عن المواطنين عند تعاملهم مع دولاب الإدارات الحكومية ومن دون مبالغ ضخمة أو موازنات عالية، لكن عائدها من رضا الناس وراحتهم سيكون كبيراً.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: جريدة الحياة

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشروع قومي لرفع المعاناة مشروع قومي لرفع المعاناة



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 17:57 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

مؤشرات التشغيل تؤكد ارتفاع نسبة البطالة في تونس

GMT 13:47 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

العلماء يثبتون فوائد التفاح للدماغ

GMT 13:34 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

دجالون يدعون الإشفاء من السرطان والسّكري

GMT 08:43 2021 السبت ,30 تشرين الأول / أكتوبر

وزير السياحة يؤكد تحسن المؤشرات السياحية في تونس

GMT 14:27 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

علاء الشابي يتحدّث عن اخطاء مهنية قاتلة للتلفزات التونسية

GMT 07:51 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

المكياج الليلي

GMT 07:03 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

جيش البحر يحتجز مركب صيد مصري على متنه 17 بحارا

GMT 06:30 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل الإجراءات والقرارات الخاصة بتونس الكبرى

GMT 09:11 2016 السبت ,14 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 17:56 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

توقعات بنزول امطار وارتفاع نسبي لدرجات الحرارة فى تونس

GMT 05:00 2020 الثلاثاء ,15 أيلول / سبتمبر

تعرف على أجمل الشلالات في البيرو لعطلة لا مثيل لها

GMT 00:14 2018 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أسرة المقرحي تطالب بتعويض عن "تبرئته" في اعتداء لوكربي
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia