خيار الحريري و«حزب الله»

خيار الحريري و«حزب الله»

خيار الحريري و«حزب الله»

 تونس اليوم -

خيار الحريري و«حزب الله»

بقلم: خالد الدخيل

صهر الرئيس ميشال عون ووزير خارجيته جبران باسيل لم يترك مجالاً في كل أحاديثه عن الأزمة التي فجرتها استقالة سعد الحريري. أطلق تصريحات فيها من التكاذب والجرأة ما يخرج عن كل الحدود. فعل ذلك في حديثه لفضائية «TRT» التركية. مما قاله أن لبنان يرفض «استعمال سلاح حزب الله خارج الحدود». معالي الوزير يعرف أن كلامه لا يمت إلى الواقع جملة وتفصيلاً. وإذا كانت هذه سياسة جديدة يلمح إليها، فالأمر يحتاج إلى توضيح وتفصيل. لكن وزير الخارجية يكذّب نفسه في الحديث ذاته بقوله إن «سلاح حزب الله أدى وظيفة كبيرة في تحرير لبنان». عمّن يتحدث معالي الوزير؟ ولمن يتحدث؟ هل كان لبنان تحت الاحتلال؟ ومن تكون قوة الاحتلال التي حرّر حزب الله لبنان منها؟ ولماذا حزب الله، وليس الجيش اللبناني، هو الذي حرّر لبنان؟ المدهش أن يصدر مثل هذا الكلام عن وزير ينتمي إلى تيار اسمه «التيار الوطني الحر».


يضيف الوزير باسيل جملة إلى حديثه تتفق مع المبدأ وتتناقض مع الواقع. يقول: «لا نقبل بالتنازل في أي أمر يمس سيادة لبنان وكرامة مواطنيه». حسناً، إذا كان الأمر كذلك، وهو ما يتمناه كل اللبنانيين قبل غيرهم، فلماذا يقبل وزير الخارجية أن يكون حزب الله (وهو حليفه وحليف الرئيس عون داخل الحكومة وخارجها) حزباً إيرانياً، كما يقول أمينه العام حسن نصرالله وليس أحداً آخر، وأن يصبح هو في الأزمة الحالية بمواقف مثل هذه وزير خارجية لحزب لا ينتمي إليه، أكثر من كونه وزيراً في الدولة اللبنانية؟ تؤكد هذه الأسئلة أن باسيل ينجرف تحت ضغط الأحداث إلى ما يعرف باللغو السياسي، وليس التحليل السياسي، ولا المواقف السياسية لوزير خارجية. قبل ذلك انجرف نحو مواقف عنصرية تجاه اللاجئين السوريين.

لا يتوقف الوزير اللبناني عند ذلك الحد، بل يتجاوزه إلى مكابرة مع نفسه وحزبه، قبل أن تكون مع الآخرين. إذ قال بجرأة يحسد عليها عن سلاح حزب الله بأنه «أمر داخلي لبناني يحدد وضعه اللبنانيون وحدهم». يعرف معالي الوزير أنه لو كان سلاح الحزب أمراً داخلياً لما كان هناك فراغ رئاسي دام أكثر من سنتين، ولما كانت هناك أزمة سياسية منشؤها الحزب وارتهانه للخارج، فرضت تسوية أتت برئيسه للقصر، ثم انهارت هذه التسوية ما فرض على رئيس الحكومة الاستقالة. ثم ماذا عن إسطوانة أن السلاح فوق طاقة لبنان، وأنه يتطلب تفاهماً إقليمياً؟

لم يحسب الوزير كلامه جيداً. ولأنه غالباً ما يفتقد في سلوكه ومواقفه مثل هذه الحصافة، لم ينتبه إلى أن تصريحاته هذه، وما انطوت عليه من كذب مباشر، تثبت حقيقة الأزمة التي يحاول نفي وجودها. المطلوب لبنانياً هو غض الطرف عن حقيقة حزب الله، ودوره الإقليمي، وعن حقيقة أنه ذراع إيرانية، وأنه يستخدم الحكومة اللبنانية كغطاء لهذا الدور، وللتمويه على تلك الذراع. تصريحات وزير الخارجية تقول لنا ذلك بطريقة مباشرة لا تخلو من تحد عفوي وساذج. وهي بذلك ليست إلا مثالاً فاقعاً على نموذج سياسي مأزوم. وليس هناك من سبيل للتعايش وتحقيق المصالح في هذا النموذج إلا بقبول وتبني الكذب والتكاذب كآلية سياسية. الكذب في هذه الحال هو الأصل الأول للأزمات اللبنانية التي لا تتوقف، بما فيها الأزمة الحالية.

لكن لبنان لا ينفرد بذلك عربياً. فالثقافة السياسية العربية تشتهر من بين ما تشتهر به بالتكاذب. لكن لبنان يتميز عن غيره بأن التكاذب أصبح جذراً تأسيسياً للعملية السياسية، وليس مجرد آلية. ولأن الأمر كذلك بات التكاذب بعد صعود حزب الله وهيمنته على القرار اللبناني مطلوباً لخدمة طرف واحد على حساب أغلب الأطراف الأخرى في العملية السياسية. من هنا نجد أن أغلب الأطراف تعارض الحزب ودوره الإقليمي. لكنها لا تستطيع فعل الكثير أمام حزب مدجج بالسلاح وأنه مستعد لاستخدامه إذا ما تجاوز أحد شروط التكاذب وحدوده. وما زاد الأمر سوءاً وتعقيداً أن هذا الحزب لا يمثل نفسه، وأن قراره ليس بيده، لأن مرجعيته ومصالحه تقع خارج لبنان. هنا تبدو سوءة الحال العربية وارتباكها أمام حزب يهيمن على دولة عربية بالنيابة عن دولة ليست عربية. استهانوا في البداية بظاهرة الحزب. لم يروا فيها أكثر من أنها حركة مقاومة لإسرائيل. لا يمكن إلا الاعتراف بنجاح الخدعة. وعندما كشفت الثورة السورية حقيقة دور الحزب تبين أن من الصعب مواجهته ومحاولة إعادة الأمور إلى نصابها وقد أصبح قوة إقليمية. مع ذلك لا يزال بعض العرب تحت تأثير وهم المقاومة.

الدول العربية منقسمة حيال أمور إقليمية كثيرة يتداخل بعضها مع الدور الإقليمي للحزب. مصر مثلاً، مع بقاء الأسد حاكماً لسورية. ومع أن القاهرة لا تقبل الحال التي يمثلها الحزب، إلا أن دوره مهم للإبقاء على الأسد. دول المغرب العربي لا تبدو معنية بما يحصل للمشرق العربي. حتى سلطنة عُمان في الخليج العربي لا ترى إشكالية كبيرة في دور الحزب ظناً منها أنه لن يتجاوز الشام. وسيكشف الاجتماع المرتقب لدول الجامعة العربية اليوم عن هذه الخلافات وغيرها.

هناك أيضاً حيرة اللبنانيين أمام موقف الرئيس عون ووزير خارجيته. اشتهر عنهما التمسك بسيادة لبنان واستقلاله. لكن ذلك كان عندما كان يحلم بالرئاسة. عندما تحقق حلمه من خلال التحالف مع الحزب، تغير موقف الجنرال من كل شيء بما في ذلك السيادة والاستقلال. هنا تتبدى غلطة سعد الحريري. كان يظن أن التسوية ممكنة مع الحزب من دون شروطه وارتهانه لإيران. تاريخ الحزب وتجربته منذ 1982 يؤكدان أن هذا ليس وارداً، خصوصاً في ظل الحال العربية المرتبكة. من دون موقف عربي واضح لا يمكن التوصل إلى حل للأزمة اللبنانية إلا كما يريدها الحزب.

والمخرج؟ ترك الحزب يحكم لبنان، وأن يتبنى الحريري مع حلفائه دور المعارضة كخيار استراتيجي. وعلى السعودية في هذه الحال أن تبني على الشيء مقتضاه، كما يقول اللبنانيون، وأن تتعامل مع حكومة لبنان على أنها حكومة يهيمن عليها حزب مرتهن للخارج ومتهم بالإرهاب، وفوق ذلك يستهدفها بهذا الإرهاب.
 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيار الحريري و«حزب الله» خيار الحريري و«حزب الله»



GMT 04:32 2018 السبت ,21 تموز / يوليو

لا حرب إيرانية - إسرائيلية

GMT 02:48 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

سورية مختلفة فعلاً

GMT 00:42 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

موقف أحمد ابن حنبل من الدولة

GMT 11:25 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

كذبة الحرب الكبرى

GMT 00:39 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

عون ونصرالله واستقالة الحريري

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 12:13 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

غروبها في يوبيلها الماسي؟

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 05:02 2018 السبت ,11 آب / أغسطس

إذلال؟

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 06:28 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

راشد الغنوشي يوضح أتمنى الشفاء العاجل لنادية عكاشة

GMT 16:04 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

إميليا ويكستيد تضيئ أسبوع لندن للموضة

GMT 07:32 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الشهداء لا يموتون

GMT 18:39 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مفاجأة بـ"شاشتين" من "لينوفو" لرجال الأعمال

GMT 11:23 2013 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

"BMW" تكشف عن "V12 Bi-Turbo" الجديدة

GMT 13:29 2020 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

زيت الصنوبر علاج للبشرة والجسم
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia