لا تلوموا فلاديمير بوتين

لا تلوموا فلاديمير بوتين

لا تلوموا فلاديمير بوتين

 تونس اليوم -

لا تلوموا فلاديمير بوتين

مصطفى فحص

من المنطق ألا تختلف الأهمية الاستراتيجية لسواحل اليمن عن سواحل سوريا بالنسبة للقيادة الروسية، الجاهدة للعودة إلى الساحة الدولية، واسترجاع نفوذها في المياه الدافئة، بعد غياب استمر أكثر من 25 سنة.
فالأزمة السورية التي أنعشت الذاكرة السوفياتية، توقع لها الكثيرون بأن تتأثر وتؤثر في الأزمة اليمنية، وتندفع إلى التعبير عن رغبتها في العودة إلى عدن عاصمة اليمن الجنوبي حليفها السابق، وذلك بناء على تقاطع مصالحها مع طهران راعية انقلاب «الحوثي - صالح» التي بمقدورها أن تؤمن لموسكو موطئ قدم مطلا على مضيق باب المندب وخليج عدن، يوازي بأهميته الاستراتيجية قاعدة طرطوس البحرية في سوريا، وهي آخر وجود روسي عسكري على سواحل البحر المتوسط.
فالدبلوماسية الإيرانية التي تباهت بما زعمت أنه نصر استراتيجي بادعاء النجاح في إقناع أنقرة وإسلام آباد بعدم الانضمام إلى عاصفة الحزم، واعتبار تحييدهما الميداني عن المعركة هو انتكاسة استراتيجية للرياض، وأن هذه الدبلوماسية جعلت السعودية وحيدة في أرض المعركة، في وقت هي بأمس الحاجة فيه إلى غطاء سياسي يواكب العمليات العسكرية، فشلت في استثمار حليفها الروسي، الذي انحاز إلى الإجماع الدولي، وجاء موقفه مخالفًا لرغباتها في مجلس الأمن.
فالتبجح الإيراني تلقى صفعة موجعة أقرب إلى ضربة قاضية في اليمن، عندما حظي مشروع القرار المقدم من المجموعة الخليجية بشأن اليمن، إلى مجلس الأمن، بشبه إجماع دولي، دون تعديل جوهري في بنوده، مع اكتفاء موسكو بالامتناع عن التصويت، مؤمنًا مظلة شرعية دولية للرياض والعواصم العربية المشاركة في عاصفة الحزم، وتعويضًا سياسيًا متقدمًا عن تردد بعض الحلفاء في مؤازرتهم.
لم تخرج موسكو عن الإجماع الدولي بشأن اليمن، وتعاملت مع ما يجري بواقعية سياسية، تختلف عن تعاملها مع الأزمة السورية طوال 4 سنوات، حيث كانت الأمم المتحدة الساحة التي عطلت فيها موسكو كل المحاولات الدولية من أجل إدانة نظام الأسد.
هذا التعطيل الروسي لم يكن وليد رغبة الكرملين السير عكس التيار أو مواجهة العالم، بل إن موسكو استغلت منذ اللحظة الأولى تردد المجتمع الدولي في الحسم في سوريا، وعدم الوضوح في موقف إدارة البيت الأبيض من الأسد، واكتفاء باراك أوباما بالأقوال دون الأفعال.
فقد أدانت موسكو كل قرارات مجموعة أصدقاء الشعب السوري التي تشكلت بداية من 120 دولة وتقلصت إلى 11 دون أي فاعلية، رفضت موسكو من الأساس مبدأ إسقاط النظام بالقوة، بينما تخلت واشنطن عن كل الوعود، في دعم الثورة لإسقاط الأسد، وتستمر موسكو علنًا حتى اللحظة بتزويد جيش الأسد بالأسلحة التي يحتاجها، بينما يمنع بارك أوباما وصول السلاح الثقيل الذي يساعد على قلب المعادلة لصالح الفصائل المعارضة.
لم تلوح موسكو بأي عمل إجرائي، عندما قرر أوباما القيام بعملية عسكرية ضد الأسد، بعد استخدامه السلاح الكيماوي، وعندما تراجع أوباما، أيقنت موسكو أنه ليس بوارد اتخاذ أي قرار فعلي في سوريا، فعملت مع طهران على قلب موازين القوة على الأرض.
تملك موسكو علاقة مباشرة مع حزب الله، ولم تنتقد وجوده في سوريا، بينما واشنطن التي تضعه على لائحة الإرهاب، غضت الطرف عن قتاله إلى جانب النظام، مراعاة لمجريات مفاوضاتها السرية مع طهران. اعتبرت موسكو منذ بداية الأزمة، أن دمشق تقود حربا على الإرهاب، في المقابل تنشغل واشنطن بجرائم {داعش} فقط التي تعادل 5 في المائة من جرائم الأسد، وهي تعطل برامج تدريب الجيش الحر منذ أكثر من سنة، وتشترط حصر مواجهاته المستقبلية مع إرهابيي تنظيم داعش فقط.
إذا كان الموقف الروسي في اليمن مفاجئًا للبعض، فهو طبيعي في لحظة حزم دولي في التعامل مع طهران، وأما الموقف في سوريا، فمرده إلى غياب الحزم الدولي وغياب باراك أوباما، فلا تلوموا فلاديمير بوتين فقط، الذي استغل الفرصة، وملأ الفراغ بما يناسب مصالحه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تلوموا فلاديمير بوتين لا تلوموا فلاديمير بوتين



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:02 2021 الثلاثاء ,13 إبريل / نيسان

الغنوشي يهنئ سعيّد بشهر رمضان

GMT 16:14 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حذف وزارة الشؤون المحلية وإلحاق مهامها بالداخلية التونسية

GMT 09:52 2021 الإثنين ,06 كانون الأول / ديسمبر

3000 مصاب بالسيدا يرفضون المتابعة الطبية في تونس

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 14:23 2014 السبت ,11 تشرين الأول / أكتوبر

"نوني" تطلق تشكيلة من الأحذية الشتوية أنيقة ومميزة

GMT 13:24 2013 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

"الجماعات الإسلامية والعنف" كتاب لمنير أديب

GMT 13:01 2013 الجمعة ,24 أيار / مايو

دب أميركي يتسبب بإغلاق مدرسة في ميشيغان

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 12:31 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

أحدث صيحات فساتين الزفاف بالطبقات موضة لعام 2021
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia