إيران بين شيعية السلطة ووحدة الأمة

إيران بين شيعية السلطة ووحدة الأمة

إيران بين شيعية السلطة ووحدة الأمة

 تونس اليوم -

إيران بين شيعية السلطة ووحدة الأمة

مصطفى فحص

شكلت هزيمة الشاه إسماعيل الصفوي في واقعة شالديران 1514 أمام السلطان العثماني سليم الأول، الحد الفاصل بين نهاية إمبراطورية وولادة أمة، هذه الأمة التي تكونت من مجموعات عرقية مختلفة لكل واحدة منها عمقها الجغرافي وامتداداتها الثقافية والدينية وتقاليدها الاجتماعية، والتي شكلت مجتمعة أهم عوامل استقواء الأطراف على المركز، ومنبعا للكثير من الثورات على السلطة الحاكمة، كما كانت معبرا شبه آمن للغزاة، منذ سيطرة السلاجقة الأتراك السنة على الهضبة الإيرانية، حتى وصول الأسرة الصفوية التركية، التي اعتنقت المذهب الشيعي، إلى الحكم.
أدى التشييع الصفوي لإيران الذي بدأ سنة 1502 إلى توحيد هذه المجموعات العرقية في الدولة الواحدة، فتغلب بذلك طابع التماسك المذهبي على التعصب القومي، مشفوعا بعدم وجود أغلبية قومية مطلقة.
فغدت وحدة اللغة الرسمية للدولة على الأقل ثم وحدة المذهب على مساحة أقل امتدادا من قبل شالديران، حاجة ضرورية لتحجز هذه الأمة الوليدة، مكانا لها على خريطة العالم، وقدرا لا مهرب منه لإبراز إرادتها والدفاع عن تميزها وسط عالم تركي مترامي الأطراف من هضاب الأناضول إلى آسيا الوسطى، وعالم عربي على طول حدودها الغربية، وعمق هندي على حدودها الشرقية. إلا أن وحدة اللغة والمذهب لم تكف لتبدد الهواجس الناشئة عن اختلاف الجوار لغة ومذهبا، وتماسكه القومي بعكسها، فاعترتها أعراض القلق من الآخر والتوجس من الند مما أدى إلى دخولها في عزلة عن محيطها، فأصيبت بغيبوبة تاريخية، وصارت كلما استفاقت منها فجأة تنبهت إلى أن جوارها كما العالم بأسره قد تجاوز أدبياتها، فتلجأ إلى الصراخ للفت النظر، والصراخ إما يكون تمددا عسكريا أو تحديا سياسيا، لكن محاولاتها تذهب هباء فتعود إلى غيبوبتها مجددا.
فشلت أسرة بهلوي منذ وصولها إلى الحكم سنة 1926 حتى 1979، في استنساخ ولو جزئي لتجربة مصطفى كمال أتاتورك في إنتاج أمة جديدة، ولم تنجح في إقناع المجتمع بالتخلي عما اعتبرته رواسب ثقافية تعوق قيام دولة حديثة، كما أخفقت في إعادة بناء الهوية القومية الإيرانية على الموروث التاريخي والأسطوري لـ«فارس» القديمة المرتبط بالإمبراطوريتين الأخمينية والساسانية. كل هذا مهد الطريق أمام حركات اعتراض سياسية واجتماعية كثيرة، أدت إلى قيام ثورة أسقطت آل بهلوي فانتقلت السلطة إلى أيدي رجال الدين، الذين استعانوا باجتهادات فقهية من المرحلة التأسيسية الصفوية، لحصر السلطة بالولي الفقيه، فتحولت الثورة الإسلامية الإيرانية، إلى الوريث الفعلي لمشروع إمبراطوري بطابع إسلامي شيعي، بعد أن تم الترويج لفكرة، أن وحدة الأمة الإيرانية، قد قامت على أسس طائفية وليس على أسس قومية.
بعد 36 عاما على الثورة الإسلامية، يواجه النظام الإيراني أسئلة داخلية معقدة، تضعه على مفترق طريقين، إما خسارة مشروع السلطة وإما خسارة الأمة لموقعها، وذلك لأن هذا النظام استهلك بأخطائه الداخلية المراهقة كل أدوات تواصله مع مجتمعه بدءا من مشاريع تصدير الثورة إلى مرحلة أحمدي نجاد والحركة الخضراء وصولا إلى الأثمان الاقتصادية الباهظة لمشروع نووي بدائي.
كذلك لم يفلح النظام بإغراء شعبه بأنه عاكف على استيلاد إمبراطورية جديدة عاصمتها المدائن، ليحشده خلفه، بل على العكس اتضح أن سكان المدن الكبرى في إيران والطبقة المتوسطة والمجتمع الأهلي الإيراني، على تناقض شبه كامل مع الطبقة السياسية الحاكمة، وخطابها الآيديولوجي وطموحاتها التوسعية، كما أن تطلعات الجيل الثاني والثالث ما بعد الثورة، على خلاف مع الجيل المؤسس وورثته، حيث اختار هذان الجيلان إضافة إلى مكونات مجتمعية متنوعة مذهبيا وقوميا وسياسيا القطيعة شبه النهائية مع الموروث الثقافي والسلطوي الديني للثورة الإيرانية، وأظهروا في الوقت ذاته توقا إلى السير بخطوات أوسع وأسرع نحو الانفتاح غير المشروط على العالم، وفعلا استطاعوا أن يخلقوا نمطا جديدا من العلاقات الاجتماعية فيما بينهم ومع العالم، قائما على تمجيد الديمقراطية والحريات السياسية، باعتبارهما أهم العوامل في بقاء أي أمة وتقدمها.
تقف المؤسسة الإيرانية الحاكمة اليوم، بشقيها العسكري والروحي، حائرة ما بين الحفاظ على امتيازاتها، وبين إدراك ما يرغب فيه المجتمع قبل فوات الأوان، فإما الحفاظ بالقوة على صورة النظام الذي تؤمن له شيعيته السياسية والعقائدية، تماسكا اجتماعيا مرحليا شارف على نهايته، وإما الاعتراف بمصالح الشعب الذي تجاوز مفهوم الشيعية السياسية كعنوان للأمة، وبات يراهن على مستقبل قريب جدا يخرج فيه من عباءة الآيديولوجيا إلى رحاب العولمة والانفتاح.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران بين شيعية السلطة ووحدة الأمة إيران بين شيعية السلطة ووحدة الأمة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:02 2021 الثلاثاء ,13 إبريل / نيسان

الغنوشي يهنئ سعيّد بشهر رمضان

GMT 16:14 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حذف وزارة الشؤون المحلية وإلحاق مهامها بالداخلية التونسية

GMT 09:52 2021 الإثنين ,06 كانون الأول / ديسمبر

3000 مصاب بالسيدا يرفضون المتابعة الطبية في تونس

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 14:23 2014 السبت ,11 تشرين الأول / أكتوبر

"نوني" تطلق تشكيلة من الأحذية الشتوية أنيقة ومميزة

GMT 13:24 2013 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

"الجماعات الإسلامية والعنف" كتاب لمنير أديب

GMT 13:01 2013 الجمعة ,24 أيار / مايو

دب أميركي يتسبب بإغلاق مدرسة في ميشيغان

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 12:31 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

أحدث صيحات فساتين الزفاف بالطبقات موضة لعام 2021
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia