إيران بين طبيعة نظامها وشروط بقائه

إيران بين طبيعة نظامها وشروط بقائه

إيران بين طبيعة نظامها وشروط بقائه

 تونس اليوم -

إيران بين طبيعة نظامها وشروط بقائه

بقلم - مصطفى فحص

لا يمكن فصل سلوك النظام الإيراني عن طبيعته، باعتبار أن الأخيرة أمّنت غطاء عقائدياً وسياسياً للسلوك الجيوسياسي الذي تمارسه طهران منذ عقود، وأتاح لها التدخل في شؤون جيرانها الذي تحول إلى سلوك توسعي وصل إلى ذروته في السنوات العشر الأخيرة؛ حيث تمكنت طهران من مصادرة القرار السياسي لأربع عواصم عربية، وعملت على ترسيخ وجودها على سواحل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وذلك تطبيقاً لضروريات طموحاتها الإمبراطورية، ولم يعد ممكناً فك الارتباط ما بين طموحاتها الإمبراطورية وطبيعة نظامها القائمة على مبادئ التوسع المستمر، باعتبار أن توسعها الخارجي يشكل جوهر النظام الذي يستمد منه شرعيته في الداخل. 
وقد تمكن النظام منذ تأسيسه في الحفاظ على هذه المعادلة المترابطة التي انطلقت من طبيعته القائدية التي فسحت المجال لسلوك توسعي، وتبلورت من خلالها طموحات إمبراطورية، ونجحت طهران في الإفلات من الضغوط الغربية؛ خصوصاً الأميركية، نتيجة لعاملين، هما: «موقعها الجغرافي وانتماؤها المذهبي»، وقد استخدمتهما كفكي كماشة ضغطت من خلالهما على أغلب محاولات الحد من نفوذها الإقليمي، كما استفادت من مجموعة الأخطاء التي ارتكبتها واشنطن في منطقة الشرق الأوسط الكبير بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وصولاً إلى الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة باراك أوباما معها، من دون وضع قيود على نفوذها الخارجي، ما فسح المجال أمامها لاندفاعة توسعية أدت نتائجها إلى زعزعة استقرار دول المنطقة.
حتى خروج الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي، كانت طهران مصرّة على أن تحجيم دورها أو تراجع نفوذها أصبحا من الماضي، وواصلت تنفيذ خططها التوسعية في منطقة تعج بمتغيرات عميقة، ورغم ذلك اعتقدت أنها بمنأى عن تداعياتها الخطيرة، مستفيدة من قرار باراك أوباما بالانكفاء، ومراهنة على أن أي إدارة أميركية جديدة لن تتمكن من إعادة ملء الفراغ الذي خلفته وراءها الإدارة السابقة، واستثمرت في الحاضنة الأوروبية التي نسجت معها علاقات قامت على تبادل المنافع السياسية والاقتصادية، فغض المجتمع الدولي الطرف عن سلوكها التوسعي الذي أدى إلى تخريب العملية السياسية في العراق، وإخضاع لبنان لهيمنتها الكاملة، وتدمير سوريا وتهجير شعبها، واحتلت الميليشيات الحوثية العاصمة اليمنية صنعاء، ما استدعى رداً سعودياً خليجياً سريعاً؛ عبر عمليتي «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»، من أجل وضع حد لمشروعها التوسعي الذي بات يصطدم الآن بشروط البيت الأبيض، الذي على ما يبدو أنه اتخذ قرار المواجهة المباشرة مع طهران، لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية سنة 1979؛ مستفيداً من عوامل داخلية كثيرة، أبرزها انعكاس العقوبات الاقتصادية التي أعيد فرضها على الداخل الإيراني، والقلق من تداعيات ما بعد 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، بينما كشف الهجوم المسلح في الأحواز عن هشاشة المنظومة الأمنية، التي لن يكون سهلاً عليها ضبط حدود شبه مفتوحة، من تركمانستان مروراً بأفغانستان وصولاً إلى باكستان؛ حيث تنتشر الجماعات المتطرفة والمنظمات الانفصالية التي يصعب ضبطها، ما يرجح قيام النظام بعملية قمع شديدة في الأقاليم الحدودية. 
لقد كشف هجوم الأحواز أن إيران ليست بمنأى عن أعمال العنف التي تجري في جوارها؛ خصوصاً أن التمييز العرقي والديني الذي تمارسه ضد الشعوب غير الفارسية تحول إلى أرض خصبة لدعاة العنف المسلح.
مما لا شك فيه أن الثغرات الاستراتيجية في الاتفاق النووي السابق، سمحت لطهران بالحفاظ على سلوكها؛ لكنها الآن تواجه مجموعة شروط وضعتها إدارة البيت الأبيض، تتجاوز الموقف من سلوكها، وتطال البحث في طبيعة نظامها، الأمر الذي يفتح السجال حول كيفية بقائه، بعدما كشف المبعوث الأميركي الخاص للشؤون الإيرانية براين هوك، عن أن بلاده تسعى إلى توقيع معاهدة مع طهران تشمل برنامجيها النووي والباليستي، استناداً إلى الشروط الـ12 التي وضعها وزير الخارجية الأميركي بومبيو، شهر مايو (أيار) المنصرم. 
فبالنسبة للمشرعين الأميركيين فإن المعاهدة التي تخضع لشروط الكونغرس تختلف عن الاتفاقية التي تقرها رئاسة الدولة، وهي معاهدة طويلة الأمد لا تخضع للمزاج السياسي للمقيم في البيت الأبيض، وعليه فإن إيران باتت أمام حقل ألغام تشريعي في واشنطن، يخضع إلى شروط كثير من اللوبيات ومراكز القوة التي تؤثر على قرارات أعضاء الكونغرس، ما يجعل طهران مكشوفة ومطالبة بتقديم تنازلات حقيقية، ليس فقط في الملف النووي أو البرنامج الباليستي؛ بل إن المعاهدة ستطال حتماً سلوكها التوسعي الذي سيكون أول ضحايا المعاهدة، ما سيؤدي إلى الإضرار مباشرة بطبيعة النظام الذي سيفقد أحد أهم الذرائع التي تبرر بقاءه.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران بين طبيعة نظامها وشروط بقائه إيران بين طبيعة نظامها وشروط بقائه



GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

GMT 08:29 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

ترامب يدّعي نجاحاً لم يحصل

GMT 08:24 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

فلسطين وإسرائيل بين دبلوماسيتين!

GMT 08:23 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

أزمة الثورة الإيرانية

GMT 15:57 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

كيفية تنظيف "شكمان" السيارة في المنزل بطريقة سهلة

GMT 18:30 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

مطعم المرسة في الدنمارك الأطراف في العالم

GMT 09:08 2014 الإثنين ,03 آذار/ مارس

هطول أمطار على محافظة حقل في منطقة تبوك

GMT 16:24 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

منصة ألعاب مايكروسوفت المُقبلة "Xbox Series S"

GMT 08:36 2016 الأحد ,30 تشرين الأول / أكتوبر

في وداع "غزة"

GMT 17:34 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"ماركس وَسبنسر" تطلق تشكيلتها لخريف 2021 من ملابس النوم النسائية

GMT 12:39 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

هجوم كبير على لاعب الصفاقسي لسوء مستواه

GMT 08:41 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

رامي عيّاش يؤكّد أن بعض الممثّلين آدائهم هزيل أمام تيم حسن

GMT 04:17 2015 الإثنين ,26 كانون الثاني / يناير

رحيل ملك عظيم

GMT 10:41 2014 الجمعة ,21 آذار/ مارس

الحكومة تُسيطر على الإعلامِ في الأردن

GMT 08:21 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

رئيس "بني عبيد" يكشف مؤامرة اتحاد الكرة مع الزمالك
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia