طهران ـ موسكو ومتلازمة هلسنكي

طهران ـ موسكو ومتلازمة هلسنكي

طهران ـ موسكو ومتلازمة هلسنكي

 تونس اليوم -

طهران ـ موسكو ومتلازمة هلسنكي

بقلم : مصطفى فحص

أطلق علماء الاجتماع تسمية متلازمة استوكهولم على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوّه، أو مع من أساء إليه بشكل من الأشكال، وقد استندوا في تفسيرهم لهذه المتلازمة إلى حادثة سطو جرت في أحد بنوك العاصمة السويدية استوكهولم سنة 1973، حيث تعاطف الرهائن مع خاطفيهم، وقاموا بالدفاع عنهم بعد تحريرهم. وبعد مرور 35 عاماً على اكتشاف هذه المتلازمة تتجه الأنظار إلى العاصمة الفنلندية (هلسنكي)، التي تبعد 484 كلم عن استوكهولم، حيث من المتوقع أن يطرح خبراء الأمن القومي والأنتلجنسيا متلازمة جديدة تحمل اسم هلسنكي، كونها المدينة التي اختارها الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين لعقد لقائهما في السادس عشر من الشهر الحالي، وعلى رأس أولوياتهما الأوضاع في أوكرانيا وسوريا وسلوك إيران في الشرق الأوسط. تُعتبر القمة هلسنكي تتويجاً للعلاقة الخاصة التي تربط بين الرئيسين ترمب وبوتين، والتي باتت تملك تأثيراً واضحاً على العديد من الملفات الدولية والإقليمية بعيداً عن مواقف «الاستبلش» الأميركي التقليدية من روسيا، وكذلك مواقف بعض مراكز القوة في الكرملين المتمسكة بموقف عقائدي من واشنطن رغم انتهاء الحرب الباردة، فقد تحولت «الترمبوتينية» إلى ظاهرة في السياسة الدولية، تمكنت من تحقيق نجاحات محدودة، ولم تُقدم حلولاً فعلية ونهائية لقضايا إقليمية معقدة تؤثر على الأمن والاستقرار العالميين، في مقدمتها أوكرانيا وسوريا وإيران المعنية الأولى في قمة هلسنكي التي ستتيح لها إمكانية معرفة مدى التزام روسيا الدفاع عن مصالحهما المشتركة من أفغانستان إلى لبنان، والتي تتناقض مع ما تُصر على ترويجه واشنطن من أن الأولوية الروسية قد تبدلت، وأن إيران لم تعد تملك غطاءً روسياً كاملاً لسياساتها التوسعية. قلق طهران من موسكو يتراكم وبدأت النقاشات الخاصة بين صناع القرار الإيراني تتسرب من داخل الغرف المغلقة، وتتحول إلى تصريحات علنية لمسؤولين وشخصيات إيرانية مشككة بإمكانية التزام موسكو الدفاع عن طهران في المرحلة المقبلة، وقد عبر النائب في مجلس الشورى الإيراني بهروز بنيادي عن هذا القلق باستياء شديد، فقد حذر بنيادي من مغبة التقارب الروسي السوري على حساب إيران، وأضاف أنه «ليس من المستبعد أن يضحيا بنا هذان البيدقان السياسيان - في إشارة إلى الأسد وبوتين - على مسلخ ترمب ونتنياهو». في المقابل ما زالت فكرة تضحية موسكو بطهران بالكامل مستبعدة نظراً لصعوبة تلبية واشنطن لدفتر الشروط الروسية مقابل قيام موسكو بإنهاء دور إيران في سوريا أو تحجيمه، فموسكو التي نجحت في انتزاع تكليف دولي وإقليمي في سوريا، وقلبت المعادلة لصالح نظام الأسد وداعميه في طهران، تبقى أولوياتها الأزمة الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها بعد احتلال القرم، حيث تدرك موسكو جيداً أن واشنطن لا تملك وحدها قرار حلها دون الرجوع إلى شركائها الأوروبيين، الذين قاموا مؤخراً بتسليفها مواقف داعمة لقراراتها تجاه إيران، ووافقوا على مضض على مقاطعتها اقتصادياً وتجارياً، إلا أنهم غير مستعدين لتقديم تنازلات استراتيجية لموسكو في أوكرانيا تمس اعتبارات الأمن الجماعي الأوروبي، وذلك بسبب تخوفهم من فشل المقايضة التي تسعى لها إدارة ترمب مع الكرملين في سوريا وفي إيران، مقابل ملفات أخرى حساسة بالنسبة لموسكو،

وذلك بسبب حاجة موسكو الملحة للميليشيات الإيرانية للحفاظ على بقاء نظام الأسد، وقد نقل الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس في مقاله بعنوان «هل يمنح ترمب نصراً في سوريا لبوتين»، الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» في 2 يوليو (تموز) الحالي عن خبير أوروبي قوله إن «بريطانيا وفرنسا حذرتا الولايات المتحدة من أنه من غير المحتمل بدرجة بالغة أن يكون لدى الروس وجود على الأرض كاف لطرد النفوذ الإيراني»، فما نقله إغناتيوس يتقاطع مع ما يتداوله قادة روس حذروا الكرملين من الثقل العسكري والأمني، الذي سيلقى على عاتق موسكو في حال أجبرت طهران على الخروج من سوريا.
في الطريق إلى هلسنكي مروراً باستوكهولم تتراكم عوامل عدم الثقة بين كافة الأطراف، حيث يتضح لأغلب اللاعبين الدوليين والإقليميين، ومهما كبر دورهم، أن الخاطف واحد مقيم في واشنطن، وأنهم جميعاً رهائن لديه، ومطلوب منهم التعاطف مع خاطفهم والدفاع عنه، بعدما أتاح لهم هامشاً يسمح لكل طرف منهم بتقمص دوره، ولكن شريطة أن يتعامل مع شريكه الحالي الذي يمكن أن يتحول إلى خصمه غداً، أو خصمه الحالي الذي يمكن أن يتحول إلى شريكه غداً، كرهينة تتضامن مع شروط خاطفها، ولكن لمدة محدودة، ستنتهي صباح السابع عشر من الشهر الحالي موعد إعلان واشنطن عن متلازمة هلسنكي.

المصدر: جريدة الشرق الأوسط

المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طهران ـ موسكو ومتلازمة هلسنكي طهران ـ موسكو ومتلازمة هلسنكي



GMT 04:55 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

السباق على استعمار القمر

GMT 04:46 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

نتانياهو متهم والولايات المتحدة تؤيده

GMT 04:40 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

فى حياته.. ومماته!

GMT 13:45 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الإعلام والدولة.. الصحافة الورقية تعاني فهل مِن منقذ؟!

GMT 15:57 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

كيفية تنظيف "شكمان" السيارة في المنزل بطريقة سهلة

GMT 18:30 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

مطعم المرسة في الدنمارك الأطراف في العالم

GMT 09:08 2014 الإثنين ,03 آذار/ مارس

هطول أمطار على محافظة حقل في منطقة تبوك

GMT 16:24 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

منصة ألعاب مايكروسوفت المُقبلة "Xbox Series S"

GMT 08:36 2016 الأحد ,30 تشرين الأول / أكتوبر

في وداع "غزة"

GMT 17:34 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"ماركس وَسبنسر" تطلق تشكيلتها لخريف 2021 من ملابس النوم النسائية

GMT 12:39 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

هجوم كبير على لاعب الصفاقسي لسوء مستواه

GMT 08:41 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

رامي عيّاش يؤكّد أن بعض الممثّلين آدائهم هزيل أمام تيم حسن

GMT 04:17 2015 الإثنين ,26 كانون الثاني / يناير

رحيل ملك عظيم

GMT 10:41 2014 الجمعة ,21 آذار/ مارس

الحكومة تُسيطر على الإعلامِ في الأردن

GMT 08:21 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

رئيس "بني عبيد" يكشف مؤامرة اتحاد الكرة مع الزمالك
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia