دموع الرئيس الإنسان

دموع الرئيس الإنسان

دموع الرئيس الإنسان

 تونس اليوم -

دموع الرئيس الإنسان

محمود مسلم

شاهدت المستشار عدلى منصور للمرة الأولى خلال احتفالى الشرطة والجيش منذ أيام.. وشعرت أننا قصّرنا فى معرفة شخصية هذا القاضى الذى حبا الله مصر به فى فترة صعبة وحرجة كانت فيها أحوج ما تكون إلى العدل وقبله الرحمة.
لقد غامر الرئيس المؤقت بحياته عندما قَبِل تولى المسئولية فى فترة ضبابية، والمؤكد أنه شعر وقتها بأن الهروب من المسئولية خيانة، خصوصاً أن الرجل ضرب أروع الأمثلة فى الزهد خلال الأشهر الماضية، فلم نسمع عنه تكالباً على مغانم السلطة ولم نعرف لأبنائه مزايا أو استثناءات، بل إن الجميع يعرف مدى زهد الرجل فى منصبه، لدرجة جعلته محل انتقاد الكثيرين، حيث اعتقد أن مجرد تفويضه للحكومة بمعظم الاختصاصات كفيل بتحقيق مطالب الشعب، لكن الحكومة خيّبت أمل المصريين.
لقد كان بكاء الرئيس، فى حفلتى الشرطة والجيش، بسبب الشهداء وعندما سلّم الأرامل الأوسمة، مشهداً يجزم بأن مصر أمام رئيس مختلف، ففى كل المناظرات السابقة حول مواصفات الرئيس تبارى الفلاسفة فى تقديم صفات مثل الحسم والرؤية والخيال، وتناسوا الأهم من ذلك كله، أن يكون إنساناً.
يتحاكى كل من يعمل فى «الاتحادية» عن أخلاقيات «منصور» وتواضعه وخلوته لقراءة القرآن وسلوكياته النابعة من صحيح الإسلام دون تجارة أو مزايدة.. كما أن الرجل كان، وما زال، أفضل رسول لقضاة مصر الشرفاء الذين تعرضوا لأكبر حملة تشويه خلال حكم الإخوان، فاستطاع أن يتعامل بقيم وتقاليد القضاء الشامخ ويتمسك بعدم اتخاذ أى إجراءات استثنائية أو خارج القانون، وعندما يخاطب الشعب فإن بساطة أسلوبه وكلماته القصيرة وحسن أدائه وصدق مشاعره تصل به إلى المواطن دون فذلكة أو رقابة، وأعتقد أنه أفضل من يدافع عن الدولة المصرية، وليته يحدّث الشعب دائماً، أفضل بكثير من متحدثه الصحفى «العابس» السفير إيهاب بدوى.
لقد التقى «منصور» مع قيادات سياسية كثيرة لإقرار خارطة الطريق الجديدة، واستمع إلى الجميع، وخرج كثيرون منهم يشيدون بحكمته، لدرجة أن الرجل عندما طالب بتحصين البرلمان المقبل واعترض كثيرون أبرزهم المستشار أحمد الزند، تراجع عن اقتراحه وقال: «أنا آسف».. وهى ثقافة جديدة للاعتذار يقدمها رئيس الجمهورية لم يعتَدْها الشعب المصرى من قبل.
من حسن حظ المصريين أن أُرسل إليهم من يرحمهم ويشفق عليهم ويسعى إلى العدل، وفى نفس الوقت يحافظ على الدولة وثوابتها ويبكى شهداءها وزوجاتهم وأبناءهم، وهو غير طامع فى سلطة، ويتحمل سخافات السياسة وترهل الحكومة وأموراً كثيرة لم يتعود عليها فى محراب القضاء.
لقد أعطى المستشار الإنسان عدلى منصور درساً للمصريين فى تحمل المسئولية دون مغانم.. وإدارة الدولة بلا استثناءات.. والإخلاص بغير مطامع. وأعتقد أنه يحظى الآن بشعبية كبيرة بين بسطاء المصريين الذين قدّروا دور الرجل فى هذه المرحلة الحرجة.. وسيظلون يتذكرونه كثيراً بالخير عندما يودعهم بعد أشهر قليلة، سواء إلى المحكمة الدستورية أو إلى منزله.. سيقول عنه الكبار والصغار: «كان عندنا رئيس إنسان»!
.. كتبت هذا المقال فى 27 يناير الماضى وأعيد نشره بمناسبة وداع الرجل اليوم لمنصبه الرئاسى، بعد خطاب أكدت كلماته للشعب المصرى والعربى أنه أمام عالم دين تنويرى وطنى مثقف وواعٍ.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دموع الرئيس الإنسان دموع الرئيس الإنسان



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 16:44 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 02:39 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

ابنة بايدن تكشف عن مخاوفها بشأن سلامة أبيها عشية تنصيبه

GMT 07:34 2017 الإثنين ,04 أيلول / سبتمبر

حلقات مفقودة في خطاب حسن نصرالله

GMT 17:25 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

"سوني" اليابانية تعلن تأجيل إطلاق بلاى ستيشن

GMT 12:53 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع ريال مدريد كلمة السر في تراجع الملكي هذا الموسم

GMT 00:25 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

"غوغل" تقدم توضيحات بعد "اختفاء تشرتشل"

GMT 18:53 2021 السبت ,03 تموز / يوليو

63 رياضيا تونسيا يشاركون في أولمبياد طوكيو

GMT 12:46 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس المؤلِّف

GMT 12:37 2021 الثلاثاء ,27 إبريل / نيسان

5 مميزات تجب معرفتها عن التحديث الجديد لنظام «iOS»
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia