السلفيون والعولمة

السلفيون والعولمة

السلفيون والعولمة

 تونس اليوم -

السلفيون والعولمة

بقلم : عمار علي حسن

مع توحش العولمة ورغبتها الجارفة فى اجتياح الخصوصيات وقتل الثقافات الفرعية وإذابة الهويات، ونقل الادعاء الذى يقول بأن العالم بات «قرية صغيرة» إلى حيز أبعد من حيز الاتصالات والمواصلات، عاد الناس أكثر وأعمق إلى انتماءاتهم الأولية، وصار الدين جدار حماية فى وجه قيم العولمة وإجراءاتها، ولذا اعترف فلاسفة ومفكرون وعلماء اجتماع بأن القرن الحادى والعشرين هو قرن «العودة إلى الأديان» بعد أن اعتقد أتباع العلمانية الشاملة والماركسيون أن الدين قد أدى دوره فى تاريخ الإنسانية وأن عليه أن يسلم الراية إلى العلم ثم يتوارى ليوضع فى المتحف إلى جانب الفأس البرونزية.

لكن العولمة إن كانت قد ترافقت مع عودة «المقدس» أو عودة التدين، فإنها وضعت الأديان أمام تحديات كبيرة وامتحانات عسيرة، فسقوط الشيوعية أعاد الدين إلى بلدان أوروبا الشرقية، لكنه اختلط فى أذهان الناس بالتصورات القومية الضيقة، وعلى حساب الروح المتسامحة للدين، ودعوته إلى الإخاء والمحبة والسلام. وأخذت هذه العودة فى بلدان أخرى شكل «الصحوة» لكنها تأثرت بثورة الاتصالات والنزعة الرأسمالية المتوحشة للعولمة فأصبحت الأديان لدى قطاعات عريضة أشبه ما تكون بمخزن تجارى كبير، يدخله المرء ويلتقط منه السلع التى تناسبه، ويبدلها كيفما شاء.

وفى هذا السياق سيطرت ثلاثة اتجاهات أساسية، أولها تنامى «التدين الرخو» الذى لا ينضوى تحت لواء مؤسسات دينية رسمية، بما لها من أفكار وطقوس ونظم. وثانيها ازدياد «التدين الحرفى» الذى يضيق بالتنوع والحوار، ويتوهم أتباعه أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة والقاطعة. وثالثها ظهور ما يمكن تسميته «حركات دينية كاريزمية جديدة» تتوالد وتتكاثر باستمرار، مستغلة ثورة الاتصالات ومتوسلة بالفضائيات والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ومنتجة فوضى من الفتاوى والاجتهادات والتفاسير.

إن التطورات التقنية كان لها تأثير على الأديان، سواء من زاوية إحداث تغيرات فى المظاهر التنظيمية لها من خلال خلق قنوات جديدة للاتصال، وفتح نوافذ وفرص لفاعلين جدد لا ينتمون للمؤسسات الدينية المتعارف عليها، علاوة على منح جماعات دينية فرصاً متعاظمة لتطوير طقوس دينية على الشبكة العنكبوتية. ويتعاظم هذا التأثير مع ازدياد عدد المتعاملين مع الإنترنت عبر العالم باطراد.

لكن جزءاً كبيراً من هذا التأثير يقع فى مسار «التدين المحافظ» أو «السلفى» الذى تمكن من الاستيلاء على قسط وفير من الحيز الدينى على الإنترنت، عبر مواقع سلفية معروفة، وشيوخ متواصلين مع الجمهور لإنتاج الفتوى والرأى، ودخول فى معارك متواصلة ليس ضد «العلمانيين» بل أيضاً فى وجه المجددين فى الفقه والفكر الإسلامى.

ولهذا يمكن القول إن العولمة التى قد رافقها تعزز دور الأديان فى الحياة الإنسانية، قد فتحت نافذة واسعة لمنتجى الخطاب الدينى المحافظ للوصول إلى قطاعات بشرية جديدة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلفيون والعولمة السلفيون والعولمة



GMT 00:05 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين

GMT 06:32 2018 الجمعة ,11 أيار / مايو

الكتابة تحت حد السيف

GMT 05:12 2017 الجمعة ,15 أيلول / سبتمبر

سيادة «القومندان» عارف أبوالعُرِّيف

GMT 13:33 2017 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

التعليم والتطرف والإرهاب العرض والمرض والعلاج

GMT 04:34 2017 الجمعة ,23 حزيران / يونيو

مصر من الثقافة المدنية إلى الحكم المدنى

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 16:44 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 02:39 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

ابنة بايدن تكشف عن مخاوفها بشأن سلامة أبيها عشية تنصيبه

GMT 07:34 2017 الإثنين ,04 أيلول / سبتمبر

حلقات مفقودة في خطاب حسن نصرالله

GMT 17:25 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

"سوني" اليابانية تعلن تأجيل إطلاق بلاى ستيشن

GMT 12:53 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع ريال مدريد كلمة السر في تراجع الملكي هذا الموسم

GMT 00:25 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

"غوغل" تقدم توضيحات بعد "اختفاء تشرتشل"

GMT 18:53 2021 السبت ,03 تموز / يوليو

63 رياضيا تونسيا يشاركون في أولمبياد طوكيو

GMT 12:46 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس المؤلِّف

GMT 12:37 2021 الثلاثاء ,27 إبريل / نيسان

5 مميزات تجب معرفتها عن التحديث الجديد لنظام «iOS»
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia