ساحر الأبجدية وضمير الوطن

ساحر الأبجدية وضمير الوطن

ساحر الأبجدية وضمير الوطن

 تونس اليوم -

ساحر الأبجدية وضمير الوطن

أحمد السيد النجار

رفعت الأقلام وجفت الصحف.. رحل سيد القلم وساحر الأبجدية «الأستاذ» ومعلم الأجيال. ترجل الفارس الأعظم لمهنة الصحافة  فى مصر والعالم العربى والعالم عموما، وأحد أهم المفكرين السياسيين فى مصر والوطن العربى والعالم فى العصر الحديث، وأحد أهم رموز النبل والرقى الإنسانى الاستثنائى الذى يندر أن يتوافر لبشر. كلما دار الحديث عن الصحفى الأهم فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية والعالمية، كان الأستاذ يأتى فى المقدمة بلا منازع، حيث لم يجتمع لأحد من الصحفيين المصريين أو العرب أو الأجانب أن يمتلك القدرات الصحفية الاستثنائية لـ »الأستاذ«، مع كونه أحد أهم المفكرين السياسيين على مر العصور.

يتحدث بعض صغار النفوس المفعمين بأحقاد وجلافة ثقافة الغزو والسلب والسبى والجهل عن أن نجومية الأستاذ صنعها قربه من الحكام، بينما أهم ما كتبه الرجل من كتب أسهمت فى تشكيل ثقافة أجيال السياسيين والنخبة الثقافية والقراء، كُتب ونشر بعد فراقه مع السلطة وخروجه من رئاسة تحرير ومجلس إدارة مؤسسة الأهرام. فأتاح له ذلك الخروج من مؤسسة الأهرام فرصة للتأمل والكتابة المتحررة من اعتبارات مصلحة المؤسسة فأبدع أعظم إنجازاته العلمية فى سلسلة كتبه التى أثرت المكتبة والعقول فى مصر والوطن العربى والعالم بأسره بعد أن تمت ترجمتها لعدد كبير من اللغات. ولن ننسى فى «الأهرام» أن الرجل هو الذى أنقذ مؤسسة الأهرام من الانهيار، إذ توجه إليه آل تقلا الذين كانوا يملكونها عارضين الوضع المالى المنهار آنذاك للجريدة وتوزيعها المتدهور، طالبين منه الإنقاذ إذا كان ذلك ممكنا. وخلال عام واحد تمكن »الجورنالجي« الأعظم فى تاريخ الصحافة من وضع الأهرام فى صدارة الصحافة المصرية وأصلح الوضع المالى للجريدة. وخلال سنوات قليلة أصبح جورنال الأهرام (كان الراحل العظيم يستخدم صيغة المذكر لدى الحديث عن «الأهرام» ويقرنه بمصطلح الجورنال وليس الجريدة) ضمن أهم عشر صحف فى العالم، واستقر بشكل دائم كأهم جورنال فى مصر والوطن العربى والشرق الأوسط.

الرجل العظيم بقيمته وقامته الاستثنائية فى تاريخ الصحافة والسياسة كان يستحق أن تحيطه بلاده وشعبه ودولته بأسمى آيات التقدير والاحترام، لكنه تعرض لأسوأ أشكال التربص والانتهاك والإساءة فى عهد الرئيس السادات بعد أن اختلف معه. ووصل الأمر إلى اعتقاله فى اعتقالات سبتمبر 1981 التى عبرت عن وصول السلطة آنذاك لمرحلة من الخبل السياسى المطلق، وتصاعد الاحتقان الذى ادى فى النهاية إلى اغتيال الرئيس السادات ونهاية حقبته. لكن ذلك لم ينه ما يتعرض له الرجل من إساءات متدنية ودنيئة استمرت على مدار بقية عمره حتى رحيله. وتفننت بعض الشاشات والصحف الصفراء وكتابها من الشتامين فى الإساءة لرجل لن يرتفعوا مهما فعلوا إلى قلامة أظفره.

وكان الرجل كالجبل الأشم يتسامى على كل ذلك، لكن من يقترب منه يدرك أن هناك مرارة وألما يختزنهما الرجل إزاء ما يجرى معه دون أن تتوافر له أى حماية تفرضها مكانته العظمى فى تاريخ الصحافة والسياسة والوطن.

كان الرجل هو صوت العقل الباحث عن مصلحة ومستقبل الوطن فى خضم عواصف محلية وإقليمية وعالمية. وبقدر حرصه على التوازنات العامة فإن رسالته كانت تصل واضحة، وكان خوفه الهائل على مستقبل مصر يتدفق فى كل أحاديثه وكتاباته. وبقدر واقعيته فإنه كان حالما بمستقبل يليق بالقيمة والقامة الحضارية لمصر. وحاول بكل السبل أن يسهم فى الجدل العام لدفع الأمور فى مسار يضمن لمصر السير على درب النهوض والتطور والتنوير والعقلانية.

أما عن مواقفه الإنسانية ورقيه ونبله وكرم أخلاقه، فإن الكلمات تعجز عن الوصف. وربما كنا بحاجة إلى بلاغته وهو سيد الأبجدية وساحر الكلمات حتى نستطيع أن نوفى هذا النبل الإنسانى حقه. لكنه باختصار كان روحا كبيرة وآسرة وعظيمة وقلبا يسع الكون بمودته الصافية.والحديث عن الراحل العظيم ومواقفه وحكاياته يحتاج لكتب لا إلى كلمة عزاء، لكن عزاءنا فى مؤسسته التى رفعها لعنان السماء هو أنه سيبقى خالدا فى ضمير مصر ما بقى للوطن والعقل والتنوير والتحضر والكرامة من قيمة، وسيبقى الرمز الأعظم للصحافة وفخرنا الذى نباهى به الدنيا بأسرها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ساحر الأبجدية وضمير الوطن ساحر الأبجدية وضمير الوطن



GMT 05:42 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

ونزاع عربي من الصنف الثالث؟

GMT 18:37 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 21:59 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

قطاع غزة يحتضن بطولة قفز الحواجز بمشاركة 41 فارسًا

GMT 00:15 2016 الثلاثاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد الشطة لعلاج مرض الصدفية

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تواجهك عراقيل لكن الحظ حليفك وتتخطاها بالصبر

GMT 08:07 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

أنواع الأبواب الخشبية وكيفية اختيار أنسبها بحسب حاجتك

GMT 05:40 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تعلن عن سيارتها الكهربائية بالكامل "اي كيو أيه"

GMT 10:51 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia