مطلوب أفعال تترجم الكلمات فمن يبدأ

مطلوب أفعال تترجم الكلمات.. فمن يبدأ؟

مطلوب أفعال تترجم الكلمات.. فمن يبدأ؟

 تونس اليوم -

مطلوب أفعال تترجم الكلمات فمن يبدأ

بكر عويضة

استأذن رئيس أقوى دول العالم العظمى كي يغادر كرسي رئاسة جلسة خاصة لمجلس الأمن، معلنا أن السكرتير جون كيري، وزير خارجيته، سيحل محله في إدارة ما تبقى من جلسة كان هو (سيد البيت الأبيض) من دعا إليها الأربعاء الماضي، ولم تفت الرئيس باراك أوباما أصول لياقات الزعماء وأدبهم، فاعتذر لرؤساء حكومات وممثلي دول لم يتمكن من الجلوس للاستماع إلى كلماتهم، لكونه مستدعى لحضور فعالية أخرى ضمن دورة الأمم المتحدة.

لفت انتباهي حرص أوباما قبل أن يغادر على التذكير بأن المطلوب هو ترجمة الكلمات إلى أفعال. ذلك، بحق، قول سديد.

إنما بشأن ماذا كان القرار الذي اتخذته الجلسة بالإجماع؟ وما جوهر مضمون الكلام الذي يدعو الرئيس أوباما إلى ترجمته لأفعال؟ جواب الشق الأول: وقف تدفق «الجهاديين» من دول الغرب للالتحاق بقوات «داعش». وجواب الشق الثاني مرتبط بالأول، ذلك أن أولئك «الجهاديين» إنما يستجيبون لفكر متطرف يزيّن لهم ما يفعلون، الأمر الذي يوجب الإقرار بأن الحسم العسكري ليس كافيا وحده لاقتلاع جذور الإرهاب، بل يجب أن يرافقه التصدي المستمر لفكر التطرف.

هذا الرأي الصحيح تماما ليس من ابتكار رئيس الولايات المتحدة، وما هو باكتشاف فذ من جانب رئيس الحكومة البريطانية، الذي ردد المقولة ذاتها في بيانه أمام مجلس الأمن. الأصح هو أن ذلك رأي يعود إلى بدء سنوات الحرب بين معتنقي الإسلام كدين سماوي، يرفض صراحة تزكية المؤمن لنفسه على غيره (ولا تزكّوا أنفسكم)، وينص صراحة على سماحة التعامل مع أهل الكتاب (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)، بل يمضي إلى حد منع سب آلهة الكفار حتى لا يسبوا الله «عَدْوًا»، تلك بديهيات يعرفها تلاميذ المرحلة الابتدائية في العالم الإسلامي كله، وعندما جرى تغييبها من جانب مروجي فكر التطرف المبرر للعنف الدموي ضد الغرب، وجد دعاة التطرف في دول الغرب، وبدعوى احترام حرية الرأي والتعبير، حاضنا لهم، وظل نفوذ ذلك الفكر يتمدد، وسطعت في فضاء الإعلام بعدد من عواصم الغرب أسماء أناس ما كان أحد يعلمُ لأي منهم مجد عِلمٍ بشرع الدين الحنيف، إنما شُرّع لهم باب الأضواء فقط كي يصرخوا على المنابر مكفرين الغرب ذاته، وكل من خالفهم من المسلمين أنفسهم.

ترى، هل مسموح السؤال الآن: ألم نقل لكم ذلك؟ لمن «نون» الجمع هذه؟ لعشرات الكتاب والمفكرين داخل العالمين العربي والإسلامي وخارجهما، الذين انبروا للتصدي لفكر التطرف من قبل نشوء تنظيم القاعدة وتوابعها بسنوات عدة، منذ أخطأ الرئيس المصري الراحل أنور السادات أولا باستخدام المتطرفين والغلاة ضد خصومه، ثم بالسماح لهم كي يتمكنوا، حتى تمكنوا منه هو نفسه. ولماذا أذهب بعيدا؟ منذ أوائل تسعينات القرن الماضي، نُشِرتْ على صفحات جريدة «الشرق الأوسط» هذه، وعلى صفحات غيرها من الصحف العربية ذات التأثير، مقالات تعد بالمئات كان جوهر مضمون كل منها هو تحذير الغرب ذاته من التساهل مع تمدد فكر التطرف. وعندما وقعت صاعقة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 بادر مفكرون عرب وقالوا بصريح العبارة إن الغرب مسؤول أيضا عن نمو فكر التطرف الإسلامي. بيد أن كل ذلك الجهد المنبِّه، أو الناصح، كان يذهب مع رياح المبدأ الصحيح تماما، والقائل إن دول الغرب مضطرة للسماح لكل صاحب رأي بحرية التعبير. نعم، لكن ما لم يحصل هو التنبّه لرسائل تسوّغ العنف كان أصحاب فكر التطرف، وما يزالون، يمررونها بصيغ مختلفة.

ممتاز أن يتنبه الرئيس أوباما والسيد كاميرون، وغيرهما من صنّاع القرار الغربي، أخيرا، لخطورة «آيديولوجيا التطرف»، كما وصفها خطاب كل منهما، ولضرورة التصدي لها، حسب ما طالب به كلاهما، لكن سيكون ممتازا جدا لو وقفت كل من واشنطن ولندن، وغيرهما من عواصم الغرب، وقفة تساؤل مع النفس: هل فعلنا ما كان يجب فعله منذ 20 سنة لمواجهة فكر التطرف؟ إذا أتى الجواب «لا»، فلنعمل بالقول العربي الشهير: «ما تأخر من جاء»، ومن ثم نأمل أن تكون مطالبة الرئيس أوباما بترجمة الكلمات إلى أفعال، وتشديد مستر كاميرون على التصدي لآيديولوجيا الإرهاب، أكثر من مجرد بلاغة خطابية أوجبتها اللحظة، وسرعان ما قد تجبّها لحظة أكثر أهمية منها.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مطلوب أفعال تترجم الكلمات فمن يبدأ مطلوب أفعال تترجم الكلمات فمن يبدأ



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 17:05 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

4 طرق تمكنك لربح المال من الإنترنت

GMT 20:03 2016 الأحد ,08 أيار / مايو

وصفة سحرية تخلصك من «الكرش» في يوم واحد

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 06:56 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أجمل الوجهات السياحية في العالم عام 2020

GMT 21:58 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

يوفنتوس يبقي ديبالا في صفوفه حتى 2022

GMT 10:34 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الخميس يؤكّد تنظيم برامج تدريبية مع "الوطنية للإعلام"

GMT 00:00 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

التعادل مع بورتو يحبط مدرب "شالكه"
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia