لندن ـ أ ش أ
رصد الكاتب البريطاني جدعون راخمان علاقة عكسية بين الإستقرار السياسي وازدهار الأسواق عالميا، وأشار إلى أن مأساة الحرب في سورية التي أزهقت نحو مائتي ألف روح حدثت في ظل ازدهار أسواق الأسهم.
وقال راخمان - في مقال نشرته صحيفة (فاينانشيال تايمز) - أن انفصال الأسواق عن السياسة أصبح واضحا بشكل فج مؤخرا، فبينما عجّت الصحف الأسبوع الماضي بقصص مأساوية عن ويلات الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى الحديث عن تفكك المملكة المتحدة، وسط تلك الأحداث سجّل مؤشر (فاينانشيال تايمز 100) أعلى ارتفاع له على مدى 14 عاما، وفي الأسبوع السابق تخطى مؤشر (ستاندرد آند بورز 500) مستوى 2.000 لأول مرة في تاريخه.
وأضاف أن المحلل السياسي قد يرى في ذلك قِصَر نظر من جانب المستثمرين، إلا أن التجربة أثبتت أنه على الرغم من أن الصدمات السياسية قد تُحدث هبوطا للأسهم لفترة وجيزة، إلا أن التعافي عادة ما يكون سريعا وعلى نحو مدهش.
وضرب راخمان مثلا على ذلك بالعودة إلى هجمات الحادى عشر من سبتمبرأيلول 2001، مشيرا إلى أن مؤشر (داو جونز) سجّل في الأسبوع الأول من التداول عقب الهجمات انخفاضا بنسبة 14 بالمئة، إلا أنه هو ومؤشر (ناسداك) تعافيا في غضون أشهر قليلة مسجلَين مستويات تجاوزت مستوياتهما قبل وقوع الهجمات.
ونوّه بأنه منذ زمن طويل لم تُسهم السياسات الدولية في تغيير شهية المستثمرين لفترة استمرت لأعوام بدلا من اقتصارها على أسابيع أو أشهر كما هو الآن، وقال أن آخر عهده بذلك كان في حقبة السبعينات وأزمة النفط التى أعقبت حرب أكتوبرتشرين الأول 1973 بين العرب وإسرائيل والثورة الإيرانية عام 1979، منذ تلك الحقبة، لم يعُد عالم الإستثمار يبالي بالمخاطر الجيو سياسية قدر مبالاته بالفُرص الجيو سياسية.
ولفت إلى أن التغيرات السياسية التي تمخضت عنها نهاية (الماوية) هى التى قادت إلى تحوّل الصين اقتصاديا، كما أن الأسواق فتحت أبوابها للمستثمرين في أوروبا بعد سقوط حائط برلين، كذلك فإن سقوط الديكتاتوريات بأميركا اللاتينية في حقبة الثمانينات أعقبه تبنٍّ واسع النطاق لسياسات مشجعة للسوق.
وعليه، رأى الكاتب أنه من الخطأ تماما الجزم بأن السياسات العالمية لا تهم المستثمرين في العقود الحديثة، الحقّ أن التغير السياسي - العالمي المستوى - أسهم في خلق الفرص أكثر مما تسبب في إضاعتها، أنه الإقتصاد، وليس السياسة، هو الذى يتحكم في التغيرات العالمية الكبرى في شهية المستثمرين في العقود الحديثة، أن تفسير ازدهار السوق حاليا يعود إلى أن المستثمرين مهتمون بالسياسة النقدية أكثر من اهتمامهم بالحروب.
وقارن راخمان بين تأثر السوق في حقبة السبعينات بسبب حرب أكتوبرتشرين الأول وثورة إيران حتى سجلت أسعار الطاقة وقتها مستويات صدمت الإقتصادات الغربية ودفعتها إلى الركود، وبين الوضع السياسي الراهن : حيث أكبر منطقتين لإنتاج الطاقة في العالم وهما روسيا والشرق الأوسط تعانيان اضطرابات سياسية، ومع ذلك لا يزال سعر النفط منخفضا.
وعللّ هذا التباين بأن (ثورة الصخر الزيتي) في أميركا جعلت أسواق الطاقة العالمية أقل تأثرا بأحداث الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أن الصراع في العالم العربي لم يؤثر بعد على إنتاج النفط في السعودية أو دول الخليج، كما أن روسيا حتى الآن لم تهدد بفرض عقوبات في مجال الطاقة ضد الغرب، وقال أنه حال وصول الحرب لمنطقة الخليج أو قيام روسيا بقطع وارداتها من الطاقة عن الغرب، فلا شك عندئذ أن الأسواق ستتأثر.
أرسل تعليقك