بيروت ـ جورج شاهين
اعتبر زعيم "تيار المستقبل" في لبنان الرئيس سعد الحريري، أن تورّط شاب لبناني من مدينة صيدا، في عملية التفجير التي استهدفت السفارة الإيرانية، يكشف عن المخاطر الكامنة في المجتمع اللبنانيّ والإسلاميّ، والتي تنمو وتكبر على وقع انقسامات كبرى تُغذيها عوامل القهر والتحدي والاستقواء، والتورّط العسكري غير المحسوب في الحرب السوريّة.
وقال الحريري، في مقال بعنوان "مهمة سوداء لن تنجح"، نشرته صحيفة "المستقبل"، في عددها الصادر صباح الأحد، "أن يكون الشاب الانتحاريّ قد انضوى حديثًا في مجموعة مُسلّحة، وانتقل إلى القتال معها في سورية، قبل أن ترسله مفخخًا لقتل أهله وأبناء بلده، أمر يتجاوز مشاعر الألم والغضب إلى ما يتهدد لبنان فعلاً، بفعل الخروقات التي تصيب مجموعة أساسية من النسيج اللبنانيّ، جرّاء الحروب السياسيّة والأمنيّة التي استهدفت قوى الاعتدال، وسياسات العزل والإقصاء التي رعتها جهات إقليميّة، كانت ولا تزال، صاحبة مصلحة مباشرة في كسر قواعد المشاركة في الحياة الوطنيّة اللبنانيّة، ثم أن يكون الانتحاري شابًا من أب صيداوي من الطائفة السنيّة، ومن أم جنوبيّة من الطائفة الشيعيّة، فأمر يختزل كل وجوه الضياع والتخبط والقلق والكراهيات المتبادلة التي تغلغلت في بيوت الكثير من المسلمين في لبنان، وترعرعت في كنف ثقافة طائفيّة ومذهبيّة، اعتلت منصة الحياة السياسيّة والعامة على حساب الدولة وقرارها وقوانينها ومؤسساتها الشرعية، وأعطت نفسها حقوقًا، لا سيما في جعل السلاح هو الحاكم والحَكم في إدارة الخلافات السياسيّة".
وشدد زعيم "تيار المستقبل"، على أنه "لا شك أن هذه الثقافة أخذت طريقها إلى الترسّخ والانتشار، مع جريمة الاغتيال التي استهدفت الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والجرائم التي تلتها، وما أحاطها بعد ذلك من ممارسات واختراقات ومحاولات لتخريب مسار العدالة والتغطية على المتهمين وحمايتهم، وهي تحولت مع فرض الشروط السياسيّة بقوة السلاح إلى مسار من الاصطفاف المذهبي في الاتجاهين، لا يمت بأي صلة إلى الحقائق التاريخيّة والاجتماعيّة والأسريّة وحتى السياسيّة، للحياة المشتركة بين السنّة وبين الشيعة اللبنانيين، والتي عرفها وعاشها آباؤنا وأجدادنا على مدى عقود طويلة، وأن حال صيدا في هذا السبيل مميز واستثنائيّ، وهي التي طالما سُميت بعاصمة الجنوب، وشكلت نموذجًا للعيش الوطنيّ والاندماج الاجتماعيّ والعائليّ بين مكوناتها من الطوائف كافة، وكانت من رياض الصلح إلى رفيق الحريري عنوان الالتزام بوحدة الدولة وسلامة العيش المشترك بين اللبنانيين"، معتبرًا أن "هذا التشويه المتعمّد أصاب مدينة طرابلس قبل صيدا بمثل ما أصاب عكار وعرسال وبعض البقاع الغربي امتدادًا الى إقليم الخروب وشبعا وحي الطريق الجديدة من بيروت، بحيث باتت، وفقًا لعشرات التقارير والتصريحات والمقالات، نصف مساحة لبنان تقريبًا، مساحة مُصنّفة مذهبيًا وساحة تصول فيها قوى التطرف وتجول، مما أتاح للطرف الآخر أن يعطي نفسه حقوق الخرق الأمني للمناطق السنيّة وتشكيل السرايا المسلحة والتشكيلات الحزبية والدينية المناوئة".
وشدد الحريري، على "أن صيدا تقول كلمتها في هذا الشأن باسم الجميع، وترفض اختزالها بشاب باع حياته للشر ولعملية إرهابيّة أوقعت الأذى بأهل دينه ووطنه، فصيدا كما المناطق والمدن الأخرى، لن تقرّ في المقابل لـ(حزب الله) وأتباعه، الحق في تسليح السرايا والمرتزقة والتهويل بالسلاح على كل شأن سياسيّ، ولن تُقدم للحزب وأتباعه أية براءة ذمّة تجاه الحرب التي يخوضها ضد الشعب السوريّ، والتي لن تنجح كل عمليات التجميل السياسيّ والإعلاميّ في التخفيف من آثارها وأضرارها على الاستقرار الداخلي".
أرسل تعليقك