مصير المصالحة بعد صمت المدافع

مصير المصالحة بعد صمت المدافع

مصير المصالحة بعد صمت المدافع

 تونس اليوم -

مصير المصالحة بعد صمت المدافع

عريب الرنتاوي

ثمة من يعتقد بأن اتفاق المصالحة وحكومة الوفاق الوطني سيكونان في صدارة “لائحة الضحايا” للحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة ... ويدلل هؤلاء على صحة نبوءتهم المتشائمة، باختلاف موقفي رام الله وغزة حيال مصر، مبادرةً ووسيطا ... وثمة في الفضاء الإعلامي الفلسطيني من المناوشات والاتهامات المتبادلة بين الجانبين، ما يكفي لدعم وجهة النظر هذه على أية حال.
لكننا نلاحظ في المقابل، أن قنوات الاتصال والتواصل بين فتح والسلطة من جهة وحماس والجهاد الإسلامي من جهة ثانية، وعلى أرفع المستويات، لم تنقطع للحظة واحدة ... الرئيس عباس التقى في القاهرة بموسى أبو مرزوق وزياد نخالة، وهو طار إلى الدوحة للقاء خالد مشعل، ومعاونوه الكثر، لا يكفون عن إجراء الاتصالات الهاتفية بقادة الحركتين المقاتلتين أولاً بأول.
لا شك أن خلاف وجهات النظر قائم، بل وعميق ... لا شك أن هناك تنازعاً على الأدوار والأحجام يدور بصمت على الساحة الفلسطينية... ولا شك أن هذا التنازع يخفي خلفه، صراع محاور عربية وإقليمية كذلك ... لكن الأهم من هذا وذاك، أن ثمة صراع مضمر على مرحلة ما بعد الهدنة والتهدئة ... فهناك من يريد لحماس أن تخرج من الحرب الثالثة مجرّدة من أي انتصار أو مكاسب ملموسة على الأرض، وهناك من يريد “تعويم” حماس وتمكينها من تفكيك أطواق العزلة والحصار التي ضربت حولها وحول جماعة الإخوان المسلمين، ومن ينكر هذه الحقيقة، يتنكر لتجربة أكثر من عام من الصراع المحتدم بين المحاور إياها.
من جهتنا لا نستبعد سيناريو انهيار المصالحة و”الوفاق الوطني”، وإن كنّا لا نرجّحه، لا الآن ولا بعد أن تصمت المدافع على جبهة القطاع المحاصر ... أغلب الظن، أن قليلا أو كثيرا من مطالب المقاومة وشروطها، سيجري الأخذ بها، إن لم يكن قبل وقف إطلاق النار، فبعده ... لكن على الأرجح، فإن الأطراف الفاعلة في الوساطة والمساعي الحميدة المبذولة الآن لوقف العدوان، ستحاول أن توكل للسلطة، وليس لحماس، أمر الإشراف على رفع الحصار، من المعابر إلى المساعدات وإعادة الإعمار، وانتهاء بالميناء والمطار إن أمكن التفكير في إمكانية إنشائهما من جديد.
مثل هذا التقدير، يفترض أن “المصالحة” قد تصبح حاجة للقطبين الفلسطينيين للخروج بقطاع غزة من دائرة العزلة والعقوبات، ولتثبيت تهدئة طويلة الأمد نسبياً (لا ندري كم سنة) ... وأحسب أن الجانب الفلسطيني على اختلاف مرجعياته، بات شديد القناعة بأن ليل الحصار يجب أن ينتهي، وأن ينتهي هذه المرة بفتح الحدود والمعابر للسلع والأفراد والخدمات والرساميل، وثمة درجة أعلى من الفهم والتفهم الإقليمي والدولي لمخاطر استمراره والصمت حيال تداعياته الكارثية، وما يمكن أن يولّده من جولات متعاقبة من العدوان والصمود والمقاومة.
في حوارات المصالحة واتفاقاتها المبرمة، جرى الاتفاق على نشر قوات من “الحرس الرئاسي” على المعبر والحدود مع مصر، وأي تفكير بإنشاء ميناء لغزة، سيشترط وضعه تحت إشراف السلطة وقواتها النظامية، والأرجح أن نوعاً من الرقابة الدولية سوف تفرض على هذه المنافذ والمعابر الدولية ... الأرجح أن معظم اللاعبين الدوليين والإقليميين، سيدفعون باتجاه أن تكون السلطة هي الطرف الآخر على الحدود والمعابر، وطالما أن هناك اتفاق مصالحة وحكومة وفاق، فإن من المنطقي أن تلقى هذه المطالب استجابة فلسطينية جماعية، حتى وإن بدا أن المصالحة لم تفعل مفعولها بعد، وأن حكومة الوفاق أخفقت في اختبار الرواتب، وتكاد عملياً ألا تكون قد وطأت أقدامها أرض غزة.
بهذا المعنى، يمكن أن تصب نتائج العدوان في مصلحة المصالحة، وليس بالضرورة ضدها ... وهذا أمر قد تمليه الظروف والتطورات على الأطراف الفلسطينية دون رغبتها، أو ربما بالضد مما كانت تتطلع إليه أو تتمناه، أو على الأقل، بأسرع مما كانت تريد أو تخطط، لكن هذه الوجهة للأحداث والتطورات ستظل مرجحة على ما يبدو في المرحلة المقبلة.
وبهذا المعنى أيضاً، قد يصح القول “ربّ ضارة نافعة”، وإن رياح “الجرف الصامد” قد هبّت بعكس ما تشتهيه السفن الإسرائيلية، فإسرائيل وضعت لحربها الثالثة على غزة، هدف ضرب المصالحة وإسقاط حكومة الوفاق الوطني، من بين أهداف أخرى بالطبع ... وقد تكون إسرائيل ذاتها، هي أول المطالبين بعودة السلطة إلى غزة ونشر قواتها على المعابر والحدود، إن هي أجبرت على الرضوخ لضغوط المجتمع الدولي لرفع الحصار الجائر المضروب على القطاع لأكثر من سبع سنوات عجاف.
قد تخرج مصالحة الفلسطينيين وحكومتهم الوفاقية أقوى بعد الحرب، لكن عوامل الانقسام الداخلي الأعمق، وصراعات السلطة والنفوذ، فضلاً عن التناقض المحتمل بين حسابات السلطة ومقتضيات المقاومة، ستُبقي بذور الانقسام اللاحق، كامنة في تربة خصبة وجاهزة دوماً لإعادة الأمور إلى المربع الأول.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصير المصالحة بعد صمت المدافع مصير المصالحة بعد صمت المدافع



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 18:37 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 13:52 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 29-10-2020

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تواجهك عراقيل لكن الحظ حليفك وتتخطاها بالصبر

GMT 08:12 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

راشد الغنوشي يعاين الأضرار نتيجة الحريق في مقر النهضة

GMT 08:52 2019 الأربعاء ,15 أيار / مايو

اصدار ديـوان الشعر السوري لمحمد سعيد حسين

GMT 18:58 2015 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الفرنسي أنيجو يدخل قائمة المرشحين لتدريب المغرب الفاسي

GMT 09:09 2013 السبت ,16 آذار/ مارس

"كيوتل" تدرس شراء حصة اتصالات في المغرب
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia