ما بعد نيويورك ليس كما قبله

ما بعد نيويورك ليس كما قبله

ما بعد نيويورك ليس كما قبله

 تونس اليوم -

ما بعد نيويورك ليس كما قبله

عريب الرنتاوي

توجت الولايات المتحدة العام الفائت، بموقف عدائي (متكرر) من الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وحقوقه المشروعة، حين تصدت في مجلس الأمن لمشروع القرار الفلسطيني – العربي (على هزاله)، وحشدت جبهة عريضة من الدول لإسقاطه دونما حاجة لاستخدام حق النقض «الفيتو»... لتدشن مع بدء العام الجاري، وفي يومه الأول، بموقف أشد فظاظة، حين حملت على قرار الرئيس الفلسطيني التوقيع على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، ومعه عدد من المواثيق والمعاهدات والمؤسسات الدولية.
إن كان ثمة من توقيت مناسب، لإعلان الطلاق مع «الوساطة/ الرعاية» الأمريكية لعملية السلام، فأحسب أن نهاية العام الفائت هي التوقيت الأنسب، فما بعد الموقف الأمريكي في مجلس الأمن ليس كما قبله، لقد انتهى «رسمياً» عهد «الوكالة الحصرية» التي تفرّدت بها واشنطن لأزيد من عقدين من الزمان دون تقدم يذكر، وآن الأوان للبحث في وسائط جديدة، وأدوات مختلفة، لمواصلة مسيرة الكفاح الوطني الفلسطينية من أجل الحرية والاستقلال.
بجردة حساب مع «الوساطة» الأمريكية لعملية السلام، نخلص إلى نتيجة مفادها: أننا بعد ربع قرن على مدريد، أبعد عن السلام من أي مرحلة مضت، وأننا بعد 21 على أوسلو، أبعد عن «الدولة» و»تقرير المصير» أكثر من أي وقت مضى، وأننا بعد مسلسل التنازلات المذلة والمشينة، وآخرها قبل أسبوعين، في التعديلات التي أدخلت على مشروع القرار الفلسطيني – العربي، بتنا كالمنبتّ، لا ظهراً قطع ولا أرضاً أبقى ... فلا الفلسطينيون نجحوا في استرداد حقوقهم ولا المنطقة باتت أقرب للسلام.
هي نهاية الدور الأمريكي المتفرد في المنطقة، وهي نهاية طريق «المفاوضات حياة»، لمن أراد أن يصغي لحقائق الأمور النابضة، هي نهاية استراتيجية ورهان، ثبت فشلهما، من دون أن ينجح الشعب الفلسطيني حتى الآن، في اجتراح بدائل واستراتيجيات جديدة، او التوحد خلف رهانات مختلفة، ومن دون أن تشرع الحركة الوطنية الفلسطينية في محاسبة نخبها القيادية وتجديدها.
والأصل، في مثل هذه الظروف، أن نتحدث عن نهاية طبقة سياسية فلسطينية جديدة، من حق الشعب الفلسطيني عليها، مثلما هو من أولى واجباتها، أن تعلن على الملأ، فشل رهاناتها وخياراتها، وأن تتنحى جانباً تاركة قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية لجيل جديد من القادة، لأن تجريب المجرب، وسلوك نفس الطريق وتوقع نتائج مختلفة، هو من خصائص وسمات حكام ديكتاتوريين أو نخب طلقت عقلها طلاقاً بائناً، وقررت المضي في الارتهان لحساباتها الانتهازية ومصالحها الأنانية.
ولا أحسب أن المسارعة للتوقيع على نظام روما وغيره من المعاهدات والمواثيق، من شأنه التخفيف من وقع «الفشل» المدوي، وسقوط الرهانات الخائبة ... هذه خطوة مهمة، شريطة ألا تكون نوعاً من «التكفير عن الذنب» أو نوعاً من «المداراة» لرأي عام خائب الظن وشديد الإحباط، او «ورقة» يلوح بها فقط، أو نوعاً من التعبير عن «النزق» و»المناكفة» ... مثل هذه الخطوة إن أريد بها أن تعطي أكلها، يجب أن تكون حلقة في استراتيجية جديدة، تضع المشهد الفلسطيني برمته على سكة أخرى، وهذا ما لا نتوقع حصوله في ظل التركيبة الحالية للقيادة الفلسطينية، التي من المؤسف حقاً أنها لم تعتد بعد على الاعتراف بأخطائها، أو الإحساس بتأنيب الضمير على فشل قيادتها ووصولها إلى حائط مسدود، لم تعتد برغم سنوات الربيع العربي المدوية، على ممارسة أي نوع من النقد والنقد الذاتي.
بعد اليوم، لا صوت يعلو فوق صوت ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل ... بدءاً بحركة فتح ومؤتمرها القادم، الذي يتعين أن يصبح محطة تاريخية، أو بمثابة انطلاقة جديدة لـ «أم الحركات الوطنية الفلسطينية المعاصرة»، لا أن تقتصر وظيفته على تحصين فتح في مواجهة «زحف التيار الدحلاني» أو قصقصة أجنحة هذا التيار، وتكريس هيمنة القيادة المتفردة للحركة على مؤسساتها ودوائر صنع القرار فيها.
مروراً بإعادة تعريف وظائف السلطة الفلسطينية، بدءاً بوقف التنسيق الأمني، فوراً ومن دون إبطاء، وتهيئة الشعب الفلسطيني لتحمل نتائج قرار تاريخي كهذا، فلا معنى بعد كل ما حصل، إن تظل السلطة على دورها «الوظيفي» كوسيلة لتجميل الاحتلال وتقليل أكلافه، وخلق وهم الاستقلال الوطني وممارسة السيادة ... عطفاً على منظمة التحرير الفلسطينية التي آن أوان إخراجها من محبسها في رام الله، وتخليصها من قياداتها الشائخة / الهرمة، التي أكل عليها الدهر وشبع حد التخمة، سواء تم ذلك بحماس أو من دونها، بعد المصالحة أم قبلها، فالمنظمة وجدت قبل حماس، والأصل أن تظل بعدها كذلك، إلى أن يرث الفلسطينيون الأرض المحتلة وما عليها.
والمصالحة الوطنية مطلوبة بعيداً عن منطق الصفقات والتسويات وتقاسم الكعكة والتكاذب المتبادل، بدءاً بالكشف عن نتائج التحقيق في جريمة التفجيرات المتزامنة والجماعية الأخيرة في قطاع غزة، ومن على قاعدة «عدم الإفلات من العقاب»، وتحميل كل طرف مسؤوليته أمام شعبه، فلا معنى للمقاومة إن كان سلاحها جاهزاً للاستخدام لحسم الخلافات الداخلية، وفرض سلطة الأمر الواقع بالإرهاب والتخويف.
بعد نيويورك، ليس كما قبلها، وحذار حذار، من الركون لموجة الأوهام التي شرعت واشنطن في بثها وإشاعته منذ الآن، وتحديداً تلك المتصلة باستئناف مهمة كيري بعد الانتخابات الإسرائيلية المبكرة، في الربيع القادم، وفي النصف الثاني من الولاية الأخيرة للرئيس أوباما، ومن لم يتعلم من دروس ربع قرن من الوساطة، لن يتعلم أبداً، عن عجز في الإدراك أو إفلاس من الخيارات والبدائل، لا فرق.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد نيويورك ليس كما قبله ما بعد نيويورك ليس كما قبله



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 18:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 06:58 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مشعل بن ماجد يرعى غداً الحفل الختامي لمسابقة جامعة جدة

GMT 12:08 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

4 أخطاء عليك تجنبها في تصميم غرف النوم

GMT 06:23 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

كريري مديرًا للكرة في نادي "الهلال" السعودي

GMT 18:02 2015 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ليل يقيل هيرفيه رينار ليصبح أول مدرب يترك منصبه هذا الموسم
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia