الانقسام باقٍ  والحقوق تتبدد

الانقسام باقٍ ... والحقوق تتبدد

الانقسام باقٍ ... والحقوق تتبدد

 تونس اليوم -

الانقسام باقٍ  والحقوق تتبدد

بقلم : عريب الرنتاوي

يبدو أن الزمن الذي كانت فيها “التهديدات الخارجية” كفيلة بتوحيد الفلسطينيين و”لملمة” شتاتهم، قد انقضى ... كل التهديدات التي تعرض لها الفلسطينيون خلال العشرية السوداء الفائتة، كل أشكال العدوان والاستيطان، لم تكن كافية لإقناع أكبر فصيلين بنبذ خلافاتهما وتوحيد صفوفهما، وليس هناك ما يدعو للتفاؤل، بأن الأخطار والتهديدات الماثلة اليوم ستنجح حيث أخفقت سابقاتها ... إنها صورة سوداء مريرة، بيد أن الاعتراف بالواقع كما هو، من دون تجميل أو تزويق، يبدو أمراً ضرورياً للغاية لكل من يأمل أو يعمل على تغير الحال بحال أفضل منه.

هزائم مشروع السلطة وانكساراته تهبط برداً وسلاماً على حماس، أو بالأحرى أوساط واسعة فيها، ليس لأنها تعزز مكانة ما يعرف بـ “خيار المقاومة”، بل لأنها تضعف فتح وتسهم في تقويض مكانتها على الساحة الفلسطينية ... هنا، لا قيمة لأي حديث عن ضعف الحركة الوطنية الفلسطينية أو تآكل مكانة القضية الفلسطينية أو حتى تهديد حقوق شعب فلسطين ... المهم، أن فتح تتآكل، وخيارها إلى طريق مسدود، وقدرتها على منافسة حماس، تضعف إلى أدنى حد ... هذا هو واقع الحال من دون “تقية” أو “مواربة”، وبعيداً عن معسول الكلام المخصص للإلقاء أمام المايكروفونات ومن على منصات “التكاذب المتبادل” المعروفة رسمياً باسم “جلسات الحوار الوطني”.

العدوانات الإسرائيلية على غزة، وكذا الحصار الجائر المضروب على أبنائها وبناتها، لا يؤخذ من قبل فتح، أو بالأحرى أوساط واسعة فيها، بوصفها عدوانات على الشعب الفلسطيني، وحصارا جائرا على أبنائه وبناته، طالما أنها تسهم في إضعاف حماس، وإيصال تجربتها في غزة إلى طريق مسدود، وتبرهن لقطاع أوسع من الفلسطينيين، بأن خيار فتح، وليس خيار حماس، هو طريقه للخلاص، وكل ما يقال بخلاف ذلك، يدخل في باب “العلاقات العامة”، ومحاولات ذر الرماد في العيون.

ثمة مستويان لخطاب الانقسام الفلسطيني ... المستوى الباطني، ويعبر من خلاله كل فريق عن عميق الرغبة في زوال الفريق الآخر عن وجه الأرض، حتى وإن تم ذلك على يد الشيطان (بلدوزر الاستيطان أو طائرات سلاح الجو الإسرائيلي) ... والمستوى الظاهري، المنافق، القائم على “الإحساس العميق بالمسؤولية الوطنية”، والرغبة في إنجاز “وحدة الدم والمصير والخندق الواحد” ... الفلسطينيون الذين يتلقون الخطابين معاً، وبطرق شتى، باتوا قادرين على تمييز غثه عن سمينه، ولديهم القدرة على كشف “الدجل” و”التكاذب”، مهما اجتهد الثرثارون في محاولاتهم لإخفائه.

اليوم، تواجه فلسطين، شعباً وقضية وحقوقاً، موجة تهديدات إضافية ... “غول” الاستيطان ينفلت من عقاله ... و”ترويكا” يمينية عنصرية سائبة تتحكم بمقاليد القرار في إسرائيل، ومجتمع يهودي ينزاح نحو التطرف الديني والقومي، و”داعشية” يهودية لا تذكر إلا بـ “الداعشية” التي عاثت وتعيث في “سوراقيا” قتلاً وفساداً في الأرض ... ومن خلفها، “ترامبية” يمنية – شعبوية، كارهة للفلسطينيين والعرب والمسلمين، تتغنى بالاستيطان وريادة اليهود، كما لم يفعل الكنيست، وتشجع الاستيطان وتتحين الفرص لنقل السفارة ... حل الدولتين تآكل وانتهى، و”خيار المقاومة” يتحول إلى مدرسة جديدة من مدارس “حرس الحدود”، ولائحة إنجازات حماس في غزة، تتضمن تعميق الربط الكهربائي مع الشبكة الإسرائيلية، وبوساطة قطرية – تركية بالطبع ... ومع ذلك، لا يجد قطبا الانقسام، حاجة للاستجابة لنداء “قف وفكر” الشهير (هل تذكرون حصار بيروت؟)... لا تقنعهم كل هذه الأخطار والتهديدات بالنزول عن الشجرة ... لا تدفعهم للتفكير بالتخلي عن أضيق المصالح وأكثرها أنانية ... لا تَقضّ على أي منهم، مضجعه ... ولا تتسبب في احمرار وجوههم أو تلعثم ألسنتهم، وهم يجددون التزامهم بالمصالحة والحوار واستعادة الوحدة ... مع أن كثيرين من الفلسطينيين وأصدقائهم، ومن بينهم كاتب هذه السطور، باتوا يشعرون بالغثيان، وهو يرون “رموز الحوار والمصالحة” على الشاشات، يرفعون قبضاتهم المتشابكة، وابتساماتهم البلهاء تملأ وجوههم، وألسنتهم تلهج بالأكاذيب والوعود العرقوبية.

لا شيء يمكن أن يقنع هؤلاء بالحاجة للتوحد ونبذ الخلافات ... حتى ولو نقل ترامب سفارة بلاده إلى القدس ... وأكاد أجزم، بأنهم لن يتوحدوا حتى وإن ضمت إسرائيل معاليه أدوميم ومناطق ج أو هدم متطرفوها المسجد الأقصى ... لا شيء يمكن أن يقنع هؤلاء بالتوحد والتنازل لبعضهم البعض، حتى لا نقول التنازل لشعبهم، إلى أن يستيقظ هذا الشعب ذات يوم، ونأمل ألا يكون بعيداً، ويطلق انتفاضته الجديدة، ضد هؤلاء أولاً، وبهدف كنس الانقسام والانقساميين وتقويض منظومات مصالحهم، من أجل أن تصبح الانتفاضة ضد الاحتلال والحصار أمراً ممكناً.

المصدر : الدستور

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانقسام باقٍ  والحقوق تتبدد الانقسام باقٍ  والحقوق تتبدد



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 18:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 06:58 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مشعل بن ماجد يرعى غداً الحفل الختامي لمسابقة جامعة جدة

GMT 12:08 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

4 أخطاء عليك تجنبها في تصميم غرف النوم

GMT 06:23 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

كريري مديرًا للكرة في نادي "الهلال" السعودي

GMT 18:02 2015 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ليل يقيل هيرفيه رينار ليصبح أول مدرب يترك منصبه هذا الموسم
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia