الانتخابات التركية «سياسية» بامتياز رغم «محليتها»

الانتخابات التركية... «سياسية» بامتياز رغم «محليتها»

الانتخابات التركية... «سياسية» بامتياز رغم «محليتها»

 تونس اليوم -

الانتخابات التركية «سياسية» بامتياز رغم «محليتها»

بقلم : عريب الرنتاوي

لا شيء يحدث في تركيا من دون أن يثير انقساماً وتبايناً في الموقف والتقدير، حتى حين يتعلق الأمر بحدث محلي، مغرق في محليته، كالانتخابات البلدية الأخيرة على سبيل المثال، تحدث مثل هذه الانقسامات وتتسع «فجوات المواقف»، ليس في الداخل التركي فحسب، بل وعلى المستوى الإقليمي والدولي كذلك ... وأحسب أن الأمر عائد لسببين اثنين:
الأول؛ يعود لمكانة تركيا المتزايدة في الإقليم، فهي حاضرة بقوة في معظم أزماته، وكل تطور «داخلي» في تركيا، سيكون له أثر على سيرورة هذه الأزمات واتجاهات تطورها... وهي تتموضع في المساحة «الرمادية» بين كل من موسكو وواشنطن، طهران وتل أبيب، إيران والسعودية... لا أذكر أن انتخابات محلية حظيت بكل هذا الاهتمام واستدعت كل هذه التعليقات وبرقيات التهنئة والتبريك، كما حصل في الانتخابات التركية الأخيرة.
والثاني؛ وينبع من الرقابة اللصيقة التي تقوم بها دول وكيانات وحركات للتجربة التركية الخاصة، وما تشهده البلاد من منازعات بين تيارين رئيسين: قومي – محافظ (ذي مرجعية إسلامية) وعلماني مدني، شكل ويشكل امتداداً للكمالية ... الإسلاميون والعلمانيون العرب على حد سواء، يراقبون التجربة التركية بكثير من الاهتمام، ورهاناتهم مختلفة حولها وعليها ... لكأنهم ينتظرون إجابات «تركية» على أسئلة و»ثنائيات» لطالما أقلقتهم، وقسمت حركات الشوارع العربية: الإسلام والعلمانية، الإسلام والديمقراطية، وهل طريق الإسلاميين للديمقراطي ذي اتجاه واحد.؟، وغيرها.
أبرز ما ميّز الانتخابات المحلية التركية أنها جاءت «سياسية» بامتياز ... كلا الطرفين نجح في حقن الرأي العام بجرعة سياسية زائدة ... وربما كان هذا أحد أسباب الاقبال الكثيف بكل المعايير على صناديق الاقتراع (83 بالمائة) ... أما السبب الثاني لهذا الإقبال فأظنه يكمن في حالة الانقسام (المناصفة تقريباً) بين مؤيدي الحزب الحاكم وزعيمه الكارزمي من جهة، وخصومه من العلمانيين واليساريين والليبراليين والأقليات من جهة ثانية، لكأننا أمام معركة «كسر عظم» بين تيارين بلغ الاستقطاب بينهما مبلغه، أو لكأن البلاد بأسرها كانت تقف على قدم واحدة بانتظار نتائج هذه المنازلة الكبرى.
إن لم يحدث «انقلاب» على نتائج الانتخابات، وتتحول «الطعون» و»الاتهامات بالتزوير» إلى مدخل للانقضاض على نتائجها وتهديد نزاهتها وسلامتها، فإن تركيا تكون خاضت تجربة إضافية في مسارها الديمقراطي الذي تعرض لاهتزازات عديدة في السنوات الأخيرة، دفعت بالاتحاد الأوروبي للتعبير عن «عدم ثقته» بالبيئة التي تجري في سياقها الانتخابات، واستتباعاً، للشك والتشكيك في نزاهتها.
وبصرف النظر عن الكيفية التي سينتهي بها الجدل والصراع حول نتائج انتخابات المدن الكبرى (إسطنبول وأنقرة) على وجه الخصوص، فإن نتائج الانتخابات، تقول بالحرف الواحد: أن أردوغان وحزبه الحاكم منذ قرابة العقدين، ما زال يحتل مكانة الصدارة لدى الرأي العام التركي (ما يقرب من 52 بالمائة أعطوه وحليفه في الحركة القومية تفويضاً جديداً، للعدالة والتنمية وحده ما يزيد عن 44 بالمائة من أصوات الأتراك)، وهذه حقيقة يجب أن يدركها «المتطيّرون» الذي غلّبوا «تفكيرهم الرغائبي» على قواعد «التحليل المنطقي والملموس المستند إلى الحقائق والأرقام.
لكن تفويض الأتراك لزعيمهم وحزبهم الحاكم، جاء منقوصاً هذه المرة، وربما نقول «مشروطاً» لكأنه «إنذار أخير» للحزب الذي سيحتفي بالذكرى المئوية لقيام الجمهورية في العام 2023... إسطنبول والمدن الكبرى، وبصرف النظر عن مآلات الطعون، قالت شيئاً مغايراً هذه المرة، ولم تمنح «العدالة» شيكاً على بياض ... وفي ظني أن هذا التطور «مفيد» لتركيا، مثلما التغيير بالوسائل السلمية الديمقراطية مفيد لغايات تعزيز التجربة وتوطينها وتوطيدها.
وما لم يقرأ الحزب الحاكم بدقة مغزى ودلالات النتائج الأخيرة، فليس هناك من ضمانة على الإطلاق بأن «موسم الانتصارات الانتخابية الكبيرة» لن ينتهي، ومن حسن حظ أردوغان وحزبه، أن تركيا لن تشهد انتخابات عامة في السنوات الأربع أو الخمس القادمة، وهي فرصة كافية لتصويب المسار، أو مواجهة خطر الانهيار.
وكان لافتاً جداً، أن حزب الشعوب الديمقراطية، المحسوب على أكراد تركيا، قد مني بخسارة جسيمة في الانتخابات، لصالح حزب الرئيس، برغم حالة الاشتباك القصوى بين أنقرة وأكراد سوريا، وتحول مناطق واسعة من جنوب شرق الأناضول إلى ساحة مواجهة مع حزب العمال الكردستاني، مثل هذا التطور، قد يفهم على أنه «ضوء أخضر» لمواصلة السياسة ذاتها، في الداخل التركي أو في الشمال الشرقي لسوريا ... هنا، علينا أن نقرأ بدقة ما الذي عناه الرئيس أردوغان عندما خاطب مهرجاناً انتخابياً بالقول: إن العمل على «حل الأزمة السورية» سيحدث بعد الانتخابات مباشرة ... فلننتظر لنرَ.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات التركية «سياسية» بامتياز رغم «محليتها» الانتخابات التركية «سياسية» بامتياز رغم «محليتها»



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:01 2021 الأربعاء ,28 إبريل / نيسان

عياض اللومي يعلن استقالتة نهائيأً من حزب قلب تونس

GMT 20:45 2017 الخميس ,19 كانون الثاني / يناير

نادي "النصر" يدرس عروضًا صينية للبرازيلي نيمار

GMT 04:25 2012 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

خيري رمضان يعود إلى"سي بي سي" الأربعاء

GMT 22:24 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

"مقدمة ابن خلدون"على قائمة أكثر الكتب مبيعاً

GMT 22:27 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

عمر خربين أشاد بفترة تواجده في "الهلال السعودي"

GMT 18:12 2017 الجمعة ,06 كانون الثاني / يناير

مواصفات هاتف ""HUWAEI Mate 8 وأسعاره في مصر والدول العربية

GMT 07:38 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

لا تنجح مؤامرة متآمر إلا بتقصير مقصر

GMT 06:30 2018 الجمعة ,17 آب / أغسطس

فشل المشروعيْن الفارسي والعثماني!
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia